مع نهاية الحرب العالمية الأولى وتوقيع هدنة 11 تشرين الثاني/نوفمبر 1918، فقد الجيش الألماني بريقه الذي تمتع به على مدار عقود عدّة. فعقب الانتصارات البروسية على كل من النمسا عام 1866 وفرنسا عام 1870 وتحقيق الوحدة الألمانية سنة 1871، تحوّلت الإمبراطورية الألمانية لأهم قوة عسكرية بأوروبا فقارعت خلال الحرب الكبرى دولا عدة كبريطانيا وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة الأميركية قبل أن تضطر للاستسلام والقبول بشروط المنتصرين بعد أكثر من 4 سنوات من القتال.
وعلى إثر رضوخها لمعاهدة فرساي سنة 1919، جرّدت ألمانيا من غواصاتها ودباباتها وطائراتها وحدد عدد جنودها بنحو 100 ألف عنصر وأجبرت على التخلي عن جميع أبحاثها العسكرية.
اتفاق ألماني سوفيتي
في الأثناء، كان من المستحيل على القوات المسلحة الألمانية، المعروفة حينها بالرايخويهر (Reichswehr)، القبول بمثل هذه الشروط المفروضة عليها. وأملا في مواصلة الأبحاث العسكرية وتطوير الجيش، لم يتردد الألمان في البحث عن حلول ملتوية كانت إحداها “الاتحاد السوفيتي”. فبالنسبة للألمان، كانت عملية تطوير القطاع العسكري على الأراضي الألمانية مستحيلة بسبب الرقابة المفروضة من قبل القوى المنتصرة بالحرب العالمية الأولى. ولتجاوز هذا الأمر، لجأ الألمان لإعادة تدريب وتسليح أنفسهم على الأراضي السوفيتية.
وقبل فترة وجيزة من نهاية الحرب السوفيتية البولندية، باشر الألمان والسوفييت بعقد جلسات مفاوضات سرية حول مجال التعاون العسكري حيث شهدت تلك الفترة تقاربا بين الطرفين بسبب الأزمة البولندية. فمع نشأتها، قامت بولندا على أراض ألمانية وسوفيتية انتزعت منهما عقب الحرب العالمية الأولى. فضلا عن ذلك، احتاج الألمان للجانب السوفيتي لمراوغة معاهدة فرساي وفي الآن ذاته عبّر الاتحاد السوفيتي، الذي عانى جيشه من سوء التنظيم العسكري، عن حاجته الماسة للخبرة الألمانية لإعادة تأهيل قواته المسلحة حسب البروتوكولات الحديثة لأوروبا الغربية.
وأثناء مفاوضات رابالو (Rapallo) بإيطاليا عام 1922، تحدّث الألمان والسوفيت للعلن عن اتفاقيات دبلوماسية واقتصادية بين البلدين وأخفيا حقيقة الاتفاق العسكري الذي خصصت له ألمانيا حينها سنويا حوالي 10 بالمائة من ميزانيتها العسكرية.
مدرسة الطيران
وبمنطقة ليبيتسك (Lipetsk) على بعد نحو 400 كلم من موسكو، أنشأت مدرسة الطيران الألمانية، بتمويل ألماني، وأوكلت إليها مهمة تكوين طيارين ألمان وسوفيت جيدين. وللحصول على الطائرات الحديثة، استعان الألمان بالاتحاد السفيتي وطرف ثالث.
وعلى حسب مصادر تلك الفترة، يتكفل الطرف الثالث بشراء الطائرات الحربية من دول كبريطانيا وفرنسا وتسليمها للجانب السوفيتي الذي ينقلها بدوره لهذه المدرسة.
وفي المقابل، يدخل الطيارون الألمان الأراضي السوفيتية بهويات مزيفة ويرتدون أثناء التدريبات أزياء سوفيتية للتمويه. وخلال سنوات عملها، تمكنت مدرسة الطيران الألمانية بليبيتسك من تكوين عدد هام من كبار الطيارين الألمان الذين شاركوا بالحرب العالمية الثانية من أمثال ألبرت كيسرلينغ (Albert Kesselring) وهوغو شبيرل (Hugo Sperrle).
ومع اعتلاء الحزب النازي لمقاليد السلطة بألمانيا عام 1933، اضطرت هذه المدرسة لإغلاق أبوابها حيث استهل النازيون برامج التسلح على أراضيهم مفضلين تحدي معاهدة فرساي والتخلي عن الحليف السوفيتي السباق الذي صنفوه كعدو أيديولوجي.
مدرسة الدبابات
وعقب اتفاق أولي سنة 1926، افتتح الألمان عام 1929 مدرسة دبابات قرب منطقة قازان (Kazan) على بعد 800 كلم من موسكو. وبهذه المدرسة التي مولت بأموال ألمانية، تدرب الألمان والسوفيت جنبا لجنب على تقنيات المدرعات وطرق التمويه الحديثة. وقد تكفلت حينها مؤسسات ألمانية مثل كروب (Krupp) ودايملر بنز (Daimler-Benz) بصناعة قطع الدبابات قبل نقلت سرا للإتحاد السوفيتي لتركيبها وتجميعها هنالك. أيضا، وفّر السوفيت جانبا من خبرتهم لهذه المدرسة فدعموها ببعض الدبابات البريطانية الصنع وأخرى سوفيتية مثل دبابة تي 18 الخفيفة (T-18).
وقد تكفلت هذه المدرسة أثناء فترة عملها التي سبقت قدوم النازيين بتكوين وتدريب عدد من كبار العسكريين الألمان من أمثال الجنرال فيلهلم فون توما (Wilhelm von Thoma) ومواطنه بطل معارك الدبابات هانز غودريان (Heinz Guderian) الذي راقب تجارب العديد من الدبابات.
مدرسة تومكا للسلاح الكيماوي
وبأراضي ساراتوف (Saratov) على بعد 900 كلم من موسكو، أنشأ الألمان مدرسة تومكا (Tomka) واستهلوا برنامج التسلح الكيماوي عن طريق تشييد مخابر أرسل إليها عشرات العلماء والكيميائيين الألمان.
وبهذه المخابر، أجرى الألمان تجارب على العديد من المواد الكيميائية كما بحثوا حول امكانية استخدام الطائرات والمدفعية لإلقاء مقذوفات محملة بهذه المواد السامة.
المصدر: العربية نت