ما بين شهر شباط/فبراير 1904 وأيلول/سبتمبر 1905، تناقلت الصحف العالمية أطوار الحرب الروسية اليابانية التي جاءت نتائجها مخالفة لتوقعات كثير من السياسيين والخبراء العسكريين. فيما آمن كثيرون بنصر سريع لقوات القيصر نيقولا الثاني، تفاجأ الجميع بسلسلة هزائم تلقاها الجيش الروسي على يد القوات اليابانية التي أثبتت وجودها كقوة إقليمية بالمنطقة.
ومع تواصل المعارك بين الروس واليابانيين، تقرّب الرئيس الأميركي ثيودور روزفلت من الطرفين محاولا إيجاد مخرج لهذه الحرب. فبعد مواقف أولية مؤيدة لليابانيين مطلع الحرب، أبدى الرئيس الأميركي تخوّفه من تزايد القوة العسكرية لليابان وإمكانية هيمنتها على شرق آسيا، معتبرا ذلك تهديدا لمصالح الولايات المتحدة الأميركية بآسيا.
وبادئ الأمر، أبدى الطرفان رفضهما الجلوس على طاولة المفاوضات، حيث تذرعت اليابان بنظرية سلسلة انتصاراتها وعدم حاجتها للسلام في هذه الظروف بينما تحدثت روسيا عن نقلها لأعداد كبيرة من القوات نحو الجبهة بفضل سكة الحديد العابرة لسيبيريا واستعدادها لتغيير مجرى الحرب لصالحها.
القبول بوساطة روزفلت
وعقب معركة موكدين التي أسفرت عن سقوط أكثر من 100 ألف قتيل وجريح من كلا الطرفين، غيّرت اليابان موقفها ومالت للسلم حيث تحدّث وزير خارجيتها كومورا جوتارو (Komura Jutarō) عن ضرورة إنهاء الحرب وإيجاد اتفاق مع الروس.
ويوم 8 آذار/مارس 1905، التقى الوزير الياباني بالسفير الأميركي بطوكيو لويد جريسكوم (Lloyd Griscom) وأبلغه عن رغبة اليابان في الجلوس لطاولة المفاوضات. إلى ذلك، جاء الرد الروسي إيجابيا أواخر شهر أيار/مايو 1905 عقب معركة تسوشيما (Tsushima) التي انتهت بهزيمة مذلة خسرت خلالها البحرية الروسية أكثر من 10 آلاف بحار ونحو 30 سفينة حربية.
ولإنجاح المفاوضات التي تقرر إجراؤها أثناء شهر آب/أغسطس، فضّل ثيودور روزفلت توفير جميع شروط الراحة للحاضرين فاختار منطقة بورتسموث (Portsmouth) بولاية نيوهامشير (New Hampshire) التي تميزت بطقسها المعتدل مقارنة بواشنطن خلال فصل الصيف.
شروط روسيا واليابان
بمؤتمر سلام بورتسموث، تزعّم كومورا جوتارو الوفد الياباني بينما كان وزير الاقتصاد الروسي السابق سيرغي ويت (Sergei Witte) على رأس الوفد الروسي. وقبيل انطلاق المفاوضات، حرّم القيصر الروسي على سيرغي ويت تقديم أية تنازلات جغرافية أو تعويضات مالية كما طالبه بعدم مناقشة تواجد القوات الروسية بشرقي آسيا. من جهة ثانية، طالبت اليابان منذ البداية باعتراف روسيا بحقوق اليابانيين في شبه الكورية وسحب القوات الروسية من منشوريا وسيطرة اليابان على ساخالين، كما أكدوا أيضا على تقديم روسيا لتعويضات مالية لليابانيين.
مفاوضات صعبة
ما بين 9 و30 آب/أغسطس 1906، عقد اليابانيون والروس 12 جلسة مفاوضات اتفقوا في بدايتها على 8 نقاط تضمنت أساسا وقف إطلاق النار واعتراف روسيا بحقوق اليابان بشبه الجزيرة الكورية وسحب القوات الروسية من منشوريا والتخلي عن الامتيازات الروسية بجنوب منشوريا لصالح اليابانيين.
خلال الجلسات الأربع الأخيرة، ظهرت بوادر التوتر بين الطرفين حيث رفضت روسيا تقديم أية تعويضات مالية لليابان وعرضت عليها في المقابل الاحتفاظ بأجزاء من جزيرة ساخالين. وأمام رفض اليابانيين، هدد المبعوث الروسي سيرغي ويت باستئناف العمليات القتالية مؤكدا على استقطاب الروس لفرق عسكرية إضافية نحو شرق آسيا طيلة الأيام الماضية واستعدادهم لخوض غمار أشهر إضافية من المعارك.
إلى ذلك، كان المبعوث الياباني على دراية بعدم قدرة بلاده على تحمل مشقة استئناف المعارك ومعاناتها من أزمة مالية خانقة فاتجه لقبول العرض الروسي الذي تقدم به سيرغي ويت لتحصل بذلك اليابان على النصف الجنوبي من ساخالين.
تغير موازين القوى وجائزة نوبل للسلم
يوم 5 أيلول/سبتمبر 1905، وقّع الروس واليابانيون على معاهدة بورتسموث لتنتهي بذلك حرب استمرت لأكثر من عام وستة أشهر سقط خلالها مئات آلاف من القتلى والجرحى.
إلى ذلك، ساهمت هذه الاتفاقية في صعود اليابان وبروزها كقوة إقليمية وتخلي روسيا عن أطماعها التوسعية بشرق آسيا. في المقابل، فاز الرئيس الأميركي ثيودور روزفلت بجائزة نوبل للسلام لعام 1905 بفضل جهوده في وضع حد لهذه الحرب.
المصدر: العربية نت