أخبارأفريقياأمريكا الجنوبيه
القضية الصحراوية: قراءة في أطول صراعات القارة الإفريقية جذور الصراع وآفاقه المستقبلية
يحاول هذا البحث تسليط الضوء على ملف أطول نزاع داخل القارة الإفريقية الذي يقارب خمس عقود من الزمن. ينقسم هذا العمل إلى أربع مباحث كبرى ففي البداية، نحاول العودة إلى جذور الصراع الذي خلفه الاستعمار عمدا لتعطيل أي مشاريع تنموية أو حتى وحدوية في المنطقة، كما أن هذا صراع يرتكز على أيدولوجيات تتبناها دول المنطقة فيما يتعلق بامتداداتها الجغراتاريخية والجغراثقافية وحتى الجغراسياسية. وفي المبحث الثاني تناولنا الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الصحراء وأهم خصائصها الجغرافية والأنثروبولوجيا وأبرز مقوماتها الطبيعية والطاقية. واهتم المبحث الثالث بأهم القرارات الأممية فيما يتعلق بصراع الصحراء الغربية، حيث ظل ملف صحراء خارج منظمة الاتحاد الافريقي، كما أن الدور العربي كان سلبيا جدا، ويعود ذلك بسبب توجه الرباط باحثة عن حل عند الدول الغربية. أما آخر مبحث فقد طرح أهم التحركات الأخيرة التي تقوم بها كل من الجزائر والمغرب دوليا وافريقيا، وخاصة استراتيجية المغرب خلال السنوات الأخيرة في التغلغل داخل القارة الإفريقية وعودتها لاتحاد الافريقي لتخوض الصراع انهاء تواجد البوليساريو داخل المنظمة الدولية الوحيدة المعترفة بها. لكن هذا الصراع بين الجارتين الذي بلغ أشده في الآونة الأخيرة نظرا لتغييرات الإقليمية والدولية، سيحمل انعكاسات مستقبلية على القارة وتحديدا الإقليم الشمالي فيها وعلى مستقبل الصراع حول الصحراء الغربية.
تمهيد
يعتبر ملف الصحراء الغربية من بين أقدم وأطول الملفات وأعقدها في القارة الإفريقية، حيث بدأ هذا النزاع سنة 1975 عندما أعلنت إسبانيا عن استقلال منطقة الصحراء وتقسيميها بين كل من المغرب وموريتانيا، ليندلع صراع بين كل من المغرب وموريتانيا حول المنطقة ضد جبهة البوليساريو المطالبة بجمهورية صحراوية مستقلة من جهة أخرى، وتمكنت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب من تحصيل اعتراف بها من منظمة الاتحاد الافريقي سنة 1984، وهو ما دفع المغرب للانسحاب من المنظمة في نفس السنة.
وبعد قطيعة دامت قرابة 40 سنة مع الإتحاد الإفريقي، عادت المملكة المغربية إلى المنظمة الإفريقية سنة 2016، وقد أرجع المراقبون إلى أن السبب الرئيسي وراء عودت المغرب إلى المنظمة هو نفسه سبب انسحابها منها، ألا وهو محاولة طرد الجمهورية الصحراوية من الإتحاد.
بدأت المغرب في هذا المشروع منذ عودتها إلى الاتحاد الافريقي واتبعت من أجل هذا الهدف خطوات عديدة من أبرزها حث دول إفريقية وحتى دول أخرى أوروبية، آسيوية ومن القارة الأمريكية إلى تشيد قنصلياتها في الصحراء الغربية وتحديدا بمدينة الداخلة والعيون كبرى مدن الصحراء، وقد حققت تقدما كبيرا في هذا النطاق، كما أنها أيضا تعمل داخل الإتحاد على جمع تواقيع ثلث الأعضاء لطرد الجمهورية الصحراوية من المنظمة. ومع تسلم المغرب لإدارة مجلس الأمن والسلم داخل الإتحاد الإفريقي العام المقبل تكون قد قطعت شوط كبيرا في مسيراتها نحو إخراج البوليساريو من الإتحاد. كما أن الإرادة المغربية لطرد الصحراء صارت مدعومة من قبل دول غربية كبرى لإنهاء تواجد البوليساريو في الإتحاد الإفريقي وإقفال هذا الملف بصفة عامة وهو من بين أطول الملفات الخلافية في إفريقيا والعالم. في الطرف المقابل تواصل الجزائر في دعمها للبوليساريو ولمشروع الجمهورية الصحراوية المستقلة عن المغرب، وفي مساعيها تقوم الجزائر بحشد دعم إفريقي وعربي وحتى غربي لهذا، كما أنها تحاول قطع الطريق أمام الرباط وخاصة في إفريقيا، مما جعل أروقة الاتحاد الافريقي أكبر مسرح لهذا الصراع بين الجارين.
ولفهم قضية الصحراء الغربية التي يطلق عليها القضية المنسية بسبب طول أمد الصراع فيها لما يقرب من خمس عقود متواصلة وجب الانطلاق من الأسئلة التالية:
– كيف أسهمت الحدود الاستعمارية في خلق الصراع بين الأطراف المتداخلة في قضية الصحراء؟
– أين تكمن الأهمية الاستراتيجية للصحراء التي تجعل منها ملف للصراع لأكثر من خمس عقود وماهي مكونتها الاثنية والثقافية؟
– كيف سيكون مستقبل الصراع في الصحراء الغربية في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية الحالية؟
– ما هي أهم الجهود التي تقوم بها المغرب والجزائر إقليميا ودوليا في هذا الملف، وما هس السيناريوهات المتوقعة؟
1- إشكالية الحدود الاستعمارية للمغرب
1.1- نهاية الاستعمار الفرنسي
في 7 أبريل 1956 استقلت المغرب عن فرنسا،1 وبعد حرب إفني المصير في 1 أبريل 1958 حصلت المغرب على استقلال مناطقها الشمالية، ومن ضمنها مدينة طنجة بعد اتفاقية سينترا مع إسبانيا.2 وفي 28 نوفمبر 1960 أعلنت موريتانيا استقلالها عن فرنسا3 وأصبح المختار ولد داداه رئيس للجمهورية الإسلامية الموريتانية، وهذا ما لم تقبله المغرب بقيادة محمد الخامس ومجموعة من القبائل الموريتانية التي كانت تطالب بالاندماج مع المغرب.4 وجاء أول اعتراف دولي بجمهورية موريتانيا من تونس، ولم تكتفي تونس بهذا فقط؛ بل تحركت بكل ثقلها الديبلوماسي لدعم موريتانيا مما تسبب في قطع العلاقات بين تونس والمغرب، ونجح في الأخير الحبيب بورقيبة في الحصول على اعتراف دولي لنواكشوط سنة 1961 وأصبحت عضواً في الأمم المتحدة، ولم تعترف المملكة المغربية بموريتانيا إلا في سنة 1969 تحت حكم الحسن الثاني.5
لم تكن إشكالية المملكة المغربية الحدودية مع موريتانيا فحسب؛ بل مع جارتها الجزائر أيضا، فالإشكالية بين الجارتين بدأت سنة 1963 في حرب الرمال، فبعيد استقلال الجزائر عن فرنسا، طالبت المملكة المغاربية مباشرة بالسيادة على آراضي كانت تطالب بتبعيتها لها عندما هيمن عليها الاستعمار الفرنسي في سنة 1950 بسبب اكتشاف مناجم الحديد والمنغنيز في كل من تندوف وبشار أو كولمب بشار 6 كما كانت تسمى خلال الفترة الاستعمارية، وهي مدن تقع غرب الجزائر قرب الحدود الحالية مع المغرب.
ولفهم الأيدولوجية المغربية في رؤيتها لحدودها التاريخية والطبيعة، وجب التطرق إلى الرؤية التي وضعها علال الفاسي، مؤسس حزب الاستقلال وأحد أهم المناضلين ضد الاستعمار الفرنسي ومن رموز الحركة الوطنية في المغرب. حيث يعتقد الفاسي أن المجال الجغرافي للملكة المغربية يشمل كل من سبته ومليله المحتلتان من قبل إسبانيا، وموريتانيا، ومنطقة أزاواد شمال مالي وغربها حتى العاصمة تومبكتو، وكامل المنطقة الغربية للجزائر، والصحراء الغربية وجزر الكناري وجزر ماديارا في محيط الأطلسي والخاضعة لاحتلال الأسباني، فيما أطلق عليه مشروع المغرب الكبير. 7
المصدر : المركز الافريقي للابحاث ودراسة السياسات