أمريكا الشماليهتاريخسلايد 1

“أب الطيران”.. حاولت موسكو قتله فهرب لأميركا وحقق حلمه

بالقرن الماضي، حصلت الولايات المتحدة الأميركية سنة 1918 بفضل حركة الهجرة، التي شهدتها روسيا عقب الثورة البلشفية، على أحد أشهر وأهم عباقرة القرن العشرين. فمع تأزم الوضع وتزايد التهديدات بروسيا، فضّل إيغور سيكورسكي (Igor Sikorsky)، الملقب من قبل كثيرين بأب الطيران، مغادرة وطنه والاستقرار بالولايات المتحدة الأميركية بحثا عن مستقبل أفضل.

وعلى حسب كثيرين، أعجب إيغور سيكورسكي، المولود عام 1889، منذ نعومة أظافره بعالم الطيران ويعود الفضل في ذلك لوالدته الطبيبة ماريا سيكورسكايا (Maria Sikorskaya) حيث حدّثته الأخيرة كثيرا عن شخصية العالم الموسوعي الإيطالي ليوناردو دافينشي (Leonardo da Vinci) وإنجازاته ما بين القرنين الخامس عشر والسادس عشر ووصفت له المخططات التي وضعها دافينشي لصناعة آلة للتحليق بالجو ناقلة بذلك لابنها حلم الطيران.

تجارب ناجحة بكييف

ومنذ طفولته، تمكن سيكورسكي وهو في الثانية عشر من صناعة مجسم صغير لمروحية. وأثناء مطاردته لحلمه بالطيران، انتقل هذا العالم الروسي المولود بكييف، التي كانت مدينة من مدن الإمبراطورية الروسية حينها، بين معاهد باريس وسان بطرسبرغ قبل أن يعود مجددا لمسقط رأسه سنة 1910.

وبكييف، عمل سيكورسكي على صناعة طائرة معتمدا على مبدأ “التعلم من الأخطاء بالتجارب السابقة” ليتمكن بعد محاولات عدّة من ابتكار نموذج لطائرة زودت بمحرك ومراوح وتمكنت من بلوغ سرعة قصوى قدرت بحوالي 40 كلم بالساعة أثناء تحليقها ليتحول بذلك لأحد مشاهير مسقط رأسه خاصة مع حضور حاكم المنطقة لمشاهدة تجاربه.

ساعة ذهبية

وسنة 1912، ابتسم الحظ لسيكورسكي عقب التحاقه بمؤسسة Russo-Balt لصناعة السيارات والطائرات ليواصل على إثر ذلك أبحاثه ويتمكن رفقة عدد من زملائه من إنتاج طائرة مزودة بأربعة محركات أثارت إعجاب عدد كبير من المهندسين الروس. في الأثناء، سمع القيصر الروسي نيقولا الثاني بتجربة هذه الطائرة فحلّ رفقة وفد من مستشاريه لمشاهدتها.

وخلال التجارب، أعجب القيصر الروسي نيقولا الثاني بهذه الطائرة فأثنى على جهود سيكورسكي وشجّعه على مواصلة أبحاثه عقب منحه هدية قيمة تمثلت في ساعة ذهبية.

قائمة إعدامات وهروب من روسيا

وعقب الثورة البلشفية واندلاع الحرب الأهلية الروسية، واجه سيكورسكي خطر البلشفيين حيث اتهمه رفاق فلاديمير لينين بالولاء للنظام القيصري ووصفوه بالشخصية البورجوازية. فضلا عن ذلك، اتجه الشيوعيون للسيطرة على المصانع وعمدوا لإلغاء الميزانية المخصصة لتجارب وأبحاث الطائرات مفضلين استغلال هذه الأموال لتطوير سلاح الخيّالة الذي استخدم كثيرا بالحرب الأهلية. وتزامنا مع خسارته للتمويل المادي، تلقى سيكورسكي من أحد أصدقائه معلومات حول وجود اسمه بقائمة الأشخاص المحكومين بالإعدام لدى البلشفيين فاتجه على إثر ذلك للفرار من روسيا على جناح السرعة.

وبادئ الأمر، استقر الأخير لفترة وجيزة بباريس قبل أن يهاجر بشكل نهائي للولايات المتحدة الأميركية.

إنجازات مذهلة في مجال الطيران

مع حلوله بالأراضي الأميركية، عمل سيكورسكي لفترة وجيزة كأستاذ رياضيات بإحدى المدارس قبل أن يباشر مجددا بمطاردة حلم الطيران عام 1923 عن طريق تأسيس مؤسسته الخاصة لصناعة الطائرات. وبادئ الأمر، واجه هذا العالم الروسي صعوبات عدّة وكاد أن يفلس لولا مساعدة مالية قيّمة تلقاها من صديقه الملحن الروسي سيرغي رخمانينوف (Sergei Rachmaninoff) الذي فرّ بدوره نحو الأراضي الأميركية عقب الثورة البلشفية.

خلال بداياته الجديدة على الأراضي الأميركية، ابتكر سيكورسكي سنة 1924 طائرة S-29-A المزودة بزوج من المحركات والقادرة على نقل نحو 14 راكبا والمقدرة سرعتها بنحو 185 كلم في الساعة. وبعدها بنحو عشر سنوات، تمكن سيكورسكي من وضع طائرة Sikorsky S-42 البرمائية التي استخدمت من قبل مؤسسات الطيران الأميركية للرحلات التجارية عبر المحيط الأطلسي.

ومستغلا هذا النجاح، اتجه إيغور سيكورسكي للعمل على المروحيات وتحقيق حلم طفولته وحلم دافينشي بصناعة طائرة تقلع بشكل عمودي فتمكن ما بين عامي 1939 و1940 من اختراع مروحية Vought-Sikorsky VS-300. وبعدها بسنتين فقط، نجح الأخير في ابتكار مروحية Sikorsky R-4 التي سرعان ما تحولت لأهم مروحيات الجيش الأميركي وأكثرها استخداما.

إلى ذلك، تمكن إيغور سيكورسكي، الذي حصل على الجنسية الأميركية، من ابتكار أكثر من 30 طائرة كانت نسبة كبيرة منها من الطائرات العمودية.

وعام 1957، صنع هذا العالم الروسي الأصل طائرة Sikorsky H-34 عقب طلب تلقاه من البيت الأبيض لصناعة طائرة عمودية يستخدمها الرئيس دوايت أيزنهاور في تنقلاته.

وبعد سجل حافل من الابتكارات والاختراعات في مجال الطيران، فارق إيغور سيكورسكي الحياة يوم 26 تشرين الأول/أكتوبر 1972 بمنطقة إيستون (Easton) بولاية كونيتيكت (Connecticut) عن عمر يناهز 82 سنة بعيدا عن مسقط رأسه بكييف التي لطالما حلم بالعودة إليها ثانية.

المصدر: العربية نت

مقالات ذات صلة

إغلاق