أخبارأفريقيا

النص العربي الكامل لدعوي جنوب أفريقيا ضد اسرائيل في العدل العليا

 

وتقع مرافعة جنوب أفريقيا المدعمة بالوثائق في 84 صفحة باللغة الإنجليزية، وتقدم دلائل إدانة للاحتلال بالسعي للإبادة الجماعية.
وننشر  النص الكامل للدعوى باللغة العربية، لتضع تفاصيل الأدلة على الجرائم الإسرائيلية بين يدي القارئ العربي.

وفيما يلي النص،

إجراءات تقديم الطلب
إلى أمين محكمة العدل الدولية، الموقّع أدناه، المفوّض حسب الأصول من قبل حكومة جمهورية جنوب أفريقيا، نؤكد ما يلي:

وفقا للمادتين 36 ([1]) و40 من النظام الأساسي للمحكمة والمادة 38 من لائحة المحكمة، يشرّفني أن أقدم هذا الطلب لرفع دعوى باسم جمهورية جنوب أفريقيا (“جنوب أفريقيا”) ضد دولة إسرائيل (“إسرائيل”). عملاً بالمادة 41 من النظام الأساسي، يتضمن الطلب التماسًا بأن تتّخذ المحكمة تدابير مؤقّتة لحماية الحقوق المشار إليها هنا من الفقدان الوشيك الذي لا يُعوّض.
I. مقدمة
1. يتعلق هذا الطلب بالأعمال التي تم التهديد بها أو تبنيها أو التغاضي عنها أو اتخاذها من قبل حكومة إسرائيل وجيشها ضد الشعب الفلالتي سطيني – وهو مجموعة قومية وعرقيّة وإثنية متميزة – في أعقاب الهجمات التي وقعت في إسرائيل يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. تدين جنوب أفريقيا بشكل لا لبس فيه جميع انتهاكات القانون الدولي من قبل جميع الأطراف، بما في ذلك الاستهداف المباشر للمدنيين الإسرائيليين وغيرهم من المواطنين واحتجاز الرهائن من قبل حماس والجماعات الفلسطينية المسلحة الأخرى. لا يمكن لأي هجوم مسلّح على أراضي دولة ما، مهما كانت خطورته – حتى الهجوم الذي ينطوي على جرائم فظيعة – أن يوفّر أي مبرر محتمل أو دفاع عن انتهاكات اتفاقية سنة 1948 بشأن منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (“اتفاقية الإبادة الجماعية” أو”الاتفاقية”)، سواءً قانونيًا أو أخلاقيًا. وتمثّل الأفعال والتجاوزات التي ارتكبتها إسرائيل والتي اشتكت منها جنوب أفريقيا إبادة جماعية لأنها تهدف إلى القضاء على جزء كبير من المجموعة الوطنية والعرقية والإثنية الفلسطينية، وهي جزء من المجموعة الفلسطينية في قطاع غزة (“الفلسطينيون في غزة”). وتشمل الأعمال المذكورة قتل الفلسطينيين في غزة، وإلحاق الأذى الجسدي والعقلي الخطير بهم، وفرض ظروف معيشية تهدف إلى تصفيتهم جسديًا. وتُنسب جميع هذه الأفعال إلى إسرائيل، التي فشلت في منع الإبادة الجماعية وترتكب الإبادة الجماعية في انتهاك واضح لاتفاقية الإبادة الجماعية، وقد انتهكت أيضًا ولا تزال تنتهك التزاماتها الأساسية الأخرى بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، بما في ذلك الفشل في منع الإبادة الجماعية أو معاقبة التحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية من قبل كبار المسؤولين الإسرائيليين وغيرهم.

2. خلال إعداد هذا الطلب، أولت جنوب أفريقيا اهتمامًا وثيقًا لأحكام اتفاقية الإبادة الجماعية وتفسيرها وتطبيقها في السنوات التالية لدخولها حيز النفاذ في 12 كانون الثاني/ يناير سنة 1951، فضلاً عن الفقه القضائي لهذه المحكمة وغيرها من المحاكم والهيئات القضائية الدولية، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا والمحكمة الجنائية الدولية. وتدرك جنوب أفريقيا تمامًا حقيقة أن أعمال الإبادة الجماعية تختلف عن الانتهاكات الأخرى للقانون الدولي التي تجيزها أو ترتكبها الحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي في غزة – بما في ذلك توجيه الهجمات عمدًا ضد السكان المدنيين والأهداف المدنية والمباني المخصصة للعبادة والتعليم والفنون والعلوم والآثار التاريخية والمستشفيات وأماكن إيواء المرضى والجرحى؛ وتعذيب وتجويع المدنيين كوسيلة من وسائل الحرب؛ وغيرها من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية – على الرغم من وجود علاقة وثيقة في كثير من الأحيان بين جميع هذه الأفعال. وتدرك جنوب أفريقيا أيضًا أن أعمال الإبادة الجماعية تشكل حتما جزءًا من سلسلة متصلة – كما اعترف بذلك رافائيل ليمكين الذي صاغ مصطلح “الإبادة الجماعية” بنفسه ([2]). ولهذا السبب، من المهم وضع أعمال الإبادة الجماعية في السياق الأوسع لسلوك إسرائيل تجاه الفلسطينيين خلال فترة الفصل العنصري الذي دام 75 سنة، واحتلالها العسكري للأراضي الفلسطينية الذي دام 56 سنة، وحصارها لغزة المستمر منذ 16 سنة، بما في ذلك الانتهاكات الخطيرة والمستمرة للقانون الدولي المرتبطة به، بما في ذلك الانتهاكات الجسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة ([3]) وغيرها من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. مع ذلك، عند الإشارة في هذا الطلب إلى الأفعال والتجاوزات من جانب إسرائيل التي يمكن أن ترقى إلى مستوى انتهاكات أخرى للقانون الدولي، فإن قضية جنوب أفريقيا تتمحور حول حقيقة أن تلك الأفعال والتجاوزات لها طابع الإبادة الجماعية، لأنها ارتُكبت بقصد محدّد عن سابق إصرار (ضرر مقصود) لتدمير الفلسطينيين في غزة كجزء من المجموعة الوطنية والعرقية والإثنية الفلسطينية الأوسع.

3. تدرك جنوب أفريقيا جيدًا حجم المسؤولية الخاصة برفع دعوى ضد إسرائيل بسبب انتهاكات اتفاقية الإبادة الجماعية. مع ذلك، تدرك جنوب أفريقيا تمام الإدراك التزامها – باعتبارها دولةً طرف في اتفاقية الإبادة الجماعية – بمنع الإبادة الجماعية. وأفعال إسرائيل وتجاوزاتها فيما يتعلق بالفلسطينيين تنتهك اتفاقية الإبادة الجماعية. هذه هي وجهة النظر المشتركة للعديد من الدول الأخرى الأطراف في الاتفاقية، بما في ذلك دولة فلسطين نفسها التي دعت “زعماء العالم” إلى “تحمّل مسؤولية وقف الإبادة الجماعية ضد شعبنا”. ([4]) دقّ خبراء الأمم المتحدة مرارا وتكرارا “ناقوس الخطر” لأكثر من 10 أسابيع من أنه “بالنظر إلى التصريحات التي أدلى بها القادة السياسيون الإسرائيليون وحلفاؤهم، التي صاحبها هجوم عسكري في غزة وتصعيد الاعتقالات والقتل في الضفة الغربية”، هناك “خطر الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني”. ([5]) كما أعرب خبراء الأمم المتحدة عن “قلقهم العميق” إزاء “فشل النظام الدولي في التعبئة لمنع الإبادة الجماعية” ضد الفلسطينيين، ودعوا “المجتمع الدولي” إلى “بذل قصارى جهده لوضع حد فوريّ لخطر الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني”. ([6]) ودعت لجنة الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، التي تعمل بموجب “إجراء الإنذار المبكر والإجراءات العاجلة”، “جميع الدول الأطراف” في اتفاقية الإبادة الجماعية إلى “الاحترام الكامل” لـ “التزامها بمنع الإبادة الجماعية”. ([7]) ينبغي النظر في هذا الطلب المقدم من جنوب أفريقيا والتماسها اتخاذ تدابير مؤقتة في هذا السياق وفي ضوء تلك الدعوات. وقد اُعِدّ على خلفية هدف السياسة الخارجية لجنوب أفريقيا المتمثل في تحقيق سلام دائم بين إسرائيل ودولة فلسطين، على أساس وجود دولتين جنبًا إلى جنب داخل حدود معترف بها دوليًا، بناء على خطّ الرابع من حزيران/يونيو 1967، قبل اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية سنة 1967، تماشيًا مع جميع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة والقانون الدولي.

4. تُثبت الحقائق التي استندت إليها جنوب أفريقيا في هذا الطلب والتي سيتم التطرق إليها بالتفصيل في هذه الإجراءات أن – على خلفية الفصل العنصري، والطرد، والتطهير العرقي، والضم، والاحتلال، والتمييز، وحرمان الشعب الفلسطيني المستمر من حق تقرير المصير – إسرائيل، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 على وجه الخصوص، فشلت في منع الإبادة الجماعية وأخفقت في مقاضاة التحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية. والأخطر من ذلك أن إسرائيل انخرطت في أعمال الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وهي تتورط فيها وتخاطر بارتكاب المزيد منها. وتشمل هذه الأفعال قتلهم، والتسبب في أذى عقلي وجسدي خطير لهم، وإخضاعهم عمدا لظروف معيشية تهدف إلى تصفيتهم جسديًا كمجموعة. إن التصريحات المتكررة لممثلي الدولة الإسرائيلية، بما في ذلك على أعلى المستويات، من قبل الرئيس الإسرائيلي ورئيس الوزراء ووزير الدفاع، تعبّر عن نية الإبادة الجماعية. ويمكن الاستدلال على هذه النية بشكل مناسب من طبيعة وسير العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة، مع الأخذ بعين الاعتبار، ضمن أمور أخرى، فشل إسرائيل في توفير أو ضمان الغذاء الأساسي والمياه والدواء والوقود والمأوى وغيرها من المساعدات الإنسانية الأساسية للشعب الفلسطيني المطوّق والمحاصر، مما دفعه إلى حافة المجاعة. ويتضح ذلك أيضًا من طبيعة الهجمات العسكرية الإسرائيلية على غزة ونطاقها ومداها، والتي تضمنت قصفًا متواصلًا لأكثر من 11 أسبوعًا لأحد أكثر الأماكن اكتظاظًا بالسكان في العالم، مما أدى إلى إجلاء 1.9 مليون شخص أو 85 بالمئة من سكان غزة الذين يخلون منازلهم ويُقتادون إلى مناطق أصغر من أي وقت مضى، دون مأوى مناسب، حيث يستمرون في التعرض للهجوم والقتل والأذى. لقد قتلت إسرائيل حتى الآن ما يزيد عن 21.110 فلسطينيًا، من بينهم أكثر من 7.729 طفلًا – بينما أكثر من 7.780 آخرين في عداد المفقودين يُفترض أنهم ماتوا تحت الأنقاض – وأكثر من 55.243 فلسطينيًا جريحًا، متسببةً في أضرار جسدية وعقلية شديدة. كما دمرت إسرائيل مساحات شاسعة من غزة، بما في ذلك أحياء بأكملها، وألحقت الضرر أو دمرت ما يزيد عن 355 ألف منزل فلسطيني، إلى جانب مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والمخابز والمدارس والجامعات والشركات ودور العبادة والمقابر والمنشآت الثقافية والترفيهية والمواقع الأثرية، ومباني البلديات والمحاكم، والبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك مرافق المياه والصرف الصحي وشبكات الكهرباء، بينما تواصل هجومًا لا هوادة فيه على النظام الطبي ونظام الرعاية الصحية الفلسطيني. لقد حوّلت إسرائيل – ولا تزال – غزة إلى أنقاض، وتقتل وتؤذي وتدمر شعبها وتخلق ظروف حياة تهدف إلى تصفيتهم جسديًا كمجموعة.

5. تُقدّم جنوب أفريقيا، آخذةً بعين الاعتبار طبيعة القواعد الآمرة لحظر الإبادة الجماعية وطابع الالتزامات التي تقع على عاتق الدول تجاه الجميع وعلى الجميع تجاه الأطراف بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، هذا الطلب لإثبات مسؤولية إسرائيل عن انتهاكات اتفاقية الإبادة الجماعية، وتحميلها المسؤولية الكاملة بموجب القانون الدولي عن تلك الانتهاكات وأن تلجأ – على الفور – إلى هذه المحكمة لضمان الحماية العاجلة والكاملة الممكنة للفلسطينيين في غزة الذين ما زالوا معرّضين لخطر جسيم ومباشر  باستمرار أعمال الإبادة الجماعية والمتزايدة.

6. في ظل الحالة الطارئة الاستثنائية، تسعى جنوب أفريقيا إلى عقد جلسة استماع عاجلة لالتماسها الخاص لاتخاذ التدابير المؤقتة. بالإضافة إلى ذلك، وعملاً بالمادة 74 (4) من لائحة المحكمة، تطلب جنوب أفريقيا من رئيس المحكمة أن يحمي الشعب الفلسطيني في غزة بدعوة إسرائيل إلى الوقف الفوري لجميع الهجمات العسكرية التي تشكل أو تؤدي إلى انتهاكات لاتفاقية منع الإبادة الجماعية ريثما تُعقد هذه الجلسة، لتمكين أي أمر قد تصدره المحكمة بشأن طلب اتخاذ التدابير المؤقتة من أن يكون له آثاره المناسبة. ومن أجل تحقيق هذه الغاية، ينبغي للمحكمة أن تأمر إسرائيل بالكف عن القتل والتسبب في أذى عقلي وجسدي خطير للشعب الفلسطيني في غزة، والكف عن فرض ظروف معيشية متعمدة تهدف إلى تصفيتهم جسديًا كمجموعة، ومنع ومعاقبة التحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية، وإلغاء السياسات والممارسات ذات الصلة، بما في ذلك ما يتعلق بتقييد المساعدات وإصدار توجيهات الإخلاء.

7. إدراكًا منها لدور المحكمة الهام وممارسة مسؤوليتها الجسيمة في الظروف التي حدثت فيها أعمال الإبادة الجماعية التي تشتكي منها جنوب أفريقيا مؤخرًا وما زالت مستمرة – ولم تخضع لحكم قضائي أو لتقصي حقائق تفصيلي – يُقدّم طلب جنوب أفريقيا والتماسها اتخاذ تدابير مؤقّتة وصفا واقعيا أكثر تفصيلاً مما قد يكون معتادًا. وتعتمد هذه الرواية في جزء كبير منها على البيانات والتقارير الصادرة عن رؤساء وهيئات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، بالإضافة إلى روايات شهود عيان من غزة – بما في ذلك من الصحفيين الفلسطينيين على الأرض – في ظل مواصلة إسرائيل تقييد الوصول إلى غزة من قبل الصحفيين والمحققين وفرق تقصي الحقائق الدولية. مع ذلك، لا يعتمد الطلب ولا التماس اتخاذ التدابير المؤقتة على قرار المحكمة بشأن كل حادث أو شكوى فردية مشار إليها في هذه الوثيقة. والجدير بالذكر، كما توضح السوابق القضائية للمحكمة، أن “ما يتعين على المحكمة القيام به في مرحلة إصدار أمر بشأن التدابير المؤقتة هو تحديد ما إذا كانت بعض الأفعال المزعومة على الأقل تندرج ضمن أحكام الاتفاقية”. ([8]) ومن الواضح أن بعض الأفعال المزعومة من قبل جنوب أفريقيا يمكن أن تندرج ضمن تلك الأحكام.

اختصاص المحكمة
8. جنوب أفريقيا وإسرائيل عضوان في الأمم المتحدة، وبالتالي هما ملزمتان بالنظام الأساسي للمحكمة، بما في ذلك المادة 36 التي تنص على أن اختصاص المحكمة “يشمل جميع المسائل المنصوص عليها خصيصا في المعاهدات والاتفاقيات النافذة”.

9. جنوب أفريقيا وإسرائيل طرفان أيضًا في اتفاقية الإبادة الجماعية. وقّعت إسرائيل على اتفاقية الإبادة الجماعية في 17 آب/ أغسطس 1949 وأودعت صك التصديق عليها في التاسع من آذار/ مارس 1950، وبذلك أصبحت طرفا عندما دخلت اتفاقية الإبادة الجماعية حيز التنفيذ في 12 كانون الثاني/ يناير 1951. وأودعت جنوب أفريقيا صك انضمامها في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1998. وأصبحت ساريةً بين الطرفين في اليوم التسعين بعد ذلك عملًا بالمادة الثالثة عشرة من الاتفاقية.

10. تنص المادة التاسعة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية على ما يلي:
“تُعرض المنازعات بين الأطراف المتعاقدة المتعلقة بتفسير هذه الاتفاقية أو تطبيقها أو تنفيذها، بما في ذلك تلك المتعلقة بمسؤولية دولة ما عن الإبادة الجماعية أو عن أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة، إلى محكمة العدل الدولية بناء على طلب أي من أطراف النزاع”.

11. لم تبدِ جنوب أفريقيا ولا إسرائيل أي تحفّظ على المادة التاسعة.

12. أعربت جنوب أفريقيا بشكل متكرر وعاجل عن قلقها وإدانتها لأفعال إسرائيل وإخلالاتها التي تشكل أساس هذا الطلب. وقد أوضحت جنوب أفريقيا والدول الأطراف الأخرى في اتفاقية الإبادة الجماعية، على وجه الخصوص، أن تصرفات إسرائيل في غزة تشكل إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني. على سبيل المثال، وصف رؤساء الجزائر([9]) وبوليفيا([10]) والبرازيل([11]) وكولومبيا([12]) وكوبا([13]) وإيران([14]) وتركيا([15]) وفنزويلا([16]) تصرفات إسرائيل بأنها إبادة جماعية، كما فعل الرئيس الفلسطيني([17]). وأشار مسؤولون حكوميون وممثلون من بنغلادش([18]) ومصر([19]) وهندوراس([20]) والعراق([21]) والأردن([22]) وليبيا([23]) وماليزيا([24]) وناميبيا([25]) وباكستان([26]) وسوريا([27]) وتونس([28])، إلى الإبادة الجماعية أو خطر حدوثها في غزة، كما فعل رؤساء الدول ومسؤولو الدول من غير الدول الأطراف في اتفاقية الإبادة الجماعية، بما في ذلك قطر([29]) وموريتانيا([30]). وفي حديثه نيابة عن “المجموعة العربية” في الجلسة عدد 9498 لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2023، قبل تصويت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على وقف إطلاق النار، ذكر ممثل مصر أن “القتلى المدنيين في غزة” فضحوا كذبة أن الحرب ضد جماعة مسلحة بل هي عقاب جماعي وإبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني. وأشار إلى “التدمير واسع النطاق للبنية التحتية المدنية واستهداف موظفي الأمم المتحدة”، وذكر أن “التهجير القسري لـ 85 بالمئة من سكان غزة، الذين يعيشون في ظروف صعبة، يمثل محاولة للقضاء على الشعب الفلسطيني”([31]).

13. بالنظر إلى أن حظر الإبادة الجماعية له طابع القاعدة القطعية وأن الالتزامات بموجب الاتفاقية تقع على عاتق الدول تجاه الجميع وعلى الجميع تجاه الأطراف([32])، فقد تم توعية إسرائيل تماما بالمخاوف الخطيرة التي أعرب عنها المجتمع الدولي، من قبل الدول الأطراف في اتفاقية الإبادة الجماعية، وجنوب أفريقيا على وجه الخصوص، فيما يتعلق بفشل إسرائيل في وقف الإبادة الجماعية ومنعها والمعاقبة عليها. وقد أعربت جنوب أفريقيا عن مخاوفها، من ضمن أمور أخرى، على النحو التالي:
— في 30 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أصدرت وزارة العلاقات الدولية والتعاون في جنوب إفريقيا بيانًا يدعو المجتمع الدولي إلى محاسبة إسرائيل على انتهاكات القانون الدولي. وحذّر البيان من أن “جريمة الإبادة الجماعية، للأسف تلوح في الأفق بشكل كبير” في غزة، مذكرا بأن “الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا وصف الهجمات على غزة بأنها إبادة جماعية”، وأن وزيرة العلاقات الدولية والتعاون في جنوب أفريقيا، ناليدي باندور، في خطابها أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 24 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، “ذكّرت المجتمع الدولي أيضًا بأن لا يقف مكتوف الأيدي بينما تتكشف إبادة جماعية أخرى”([33]).
— في السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر، حذّر وزير العلاقات الدولية في جنوب أفريقيا، في كلمته أمام الجمعية الوطنية لجنوب أفريقيا، من أن “جريمة الإبادة الجماعية تلوح للأسف في الأفق بشكل كبير في الوضع الحالي في غزة”، مذكرًا بأنه “في سنة 1994، وقعت إبادة جماعية في قارة أفريقيا حيث شاهد معظم العالم مذبحة الأبرياء”، مشددًا على أن جنوب أفريقيا لا يمكنها أن تقف مكتوفة الأيدي وتسمح بحدوث ذلك مرة أخرى([34]).

— في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، اتخذ المدير العام لوزارة العلاقات الدولية والتعاون في جنوب إفريقيا خطوات دبلوماسية رسمية نحو سفير دولة إسرائيل في جنوب إفريقيا، وأبلغه أنه بينما “تدين جنوب إفريقيا” الهجمات على المدنيين من قبل حماس” التي “يجب التحقيق فيها بتهمة ارتكاب جرائم حرب”، كان رد إسرائيل غير قانوني”، وأن جنوب أفريقيا “تريد من المحكمة الجنائية الدولية التحقيق مع قيادة إسرائيل” في جرائم تشمل الإبادة الجماعية([35]).

— في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، خلال اجتماع في المقر الرئاسي مع قيادة مجلس النواب اليهودي في جنوب إفريقيا، الذي دعوا فيه، من بين أمور أخرى، إلى إعادة فتح سفارة جنوب إفريقيا في إسرائيل، أدان رئيس جنوب إفريقيا، السيد سيريل رامافوسا، “الإبادة الجماعية التي تُرتكب ضد شعب فلسطين، بما في ذلك النساء والأطفال، من خلال العقاب الجماعي والقصف المستمر لغزة”([36]).
— في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، أعلن رئيس جنوب أفريقيا، خلال زيارة إلى قطر، أن جنوب أفريقيا تحيل الوضع في دولة فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية، معربا عن امتعاضه “لما يحدث حاليا في غزة، الذي تحولت الآن إلى معسكر اعتقال حيث تحدث الإبادة الجماعية”([37]).

— في وقت لاحق من يوم 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، قامت سفارة جنوب أفريقيا في لاهاي، نيابة عن جنوب أفريقيا، بالاشتراك مع ثلاث دول أخرى أطراف في اتفاقية الإبادة الجماعية – وهي بنغلاديش وبوليفيا وجزر القمر – وجيبوتي، بإحالة الوضع في دولة فلسطين إلى مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وطلبت من المدعي العام أن يحقق بقوة في الجرائم التي تدخل في نطاق اختصاص المحكمة، بما في ذلك جريمة الإبادة الجماعية، على النحو المنصوص عليه في المادة 6 (أ) و(ب) و(ج) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (“نظام روما الأساسي”)([38]).

— في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، في خطاب أمام الاجتماع المشترك الاستثنائي لمجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) حثّ قادة وزعماء أعضاء البريكس المدعوين بشأن الوضع في الشرق الأوسط على معالجة “مسألة ذات أهمية عالمية خطيرة” في الشرق الأوسط، وأكد رئيس جنوب أفريقيا أن “تعمّد حرمان سكان غزة من الدواء والوقود والغذاء والماء هو بمثابة إبادة جماعية”([39]).

— في 12 كانون الأول/ ديسمبر 2023، صرحت سفيرة جنوب أفريقيا لدى الأمم المتحدة، في كلمتها أمام الجلسة الطارئة العاشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة – التي كانت إسرائيل ممثلة فيها – أن “الأحداث التي وقعت في الأسابيع الستة الماضية في غزة أظهرت أن إسرائيل تتصرف بشكل يتعارض مع التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية. وشددت على أنه “بوصفنا دولة عضوًا في الأمم المتحدة، وبسبب تجربة جنوب أفريقيا المؤلمة في الماضي مع نظام الفصل العنصري، فإن هذا يدفعنا، كدول أعضاء، لاتخاذ إجراءات وفقًا للقانون الدولي”([40]).

– في 21 كانون الأول/ ديسمبر 2023، أرسلت جنوب أفريقيا مذكرة شفهية إلى سفارة إسرائيل في جنوب أفريقيا، أعربت فيها عن مخاوفها بشأن “التقارير الموثوقة التي تفيد بأن الأعمال ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية أو الجرائم ذات الصلة على النحو المحدد في اتفاقية سنة 1948 بشأن منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، التي ارتُكبت، وربما لا تزال، في سياق الصراع” في غزة. وأشارت المذكرة الشفوية إلى أن جنوب أفريقيا، باعتبارها دولة طرفًا في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، ملزمةٌ بموجب المعاهدة بمنع حدوث الإبادة الجماعية، وبالتالي تدعو إسرائيل التي هي أيضًا دولة طرف في الاتفاقية بالوقف الفوري للأعمال العدائية في غزة والامتناع عن السلوك الذي يشكل أو لا يمنع حدوث انتهاكات لالتزاماتها بموجب الاتفاقية. كما دعت جنوب أفريقيا، “التي انزعجت من خطاب المسؤولين الإسرائيليين وغيرهم”، إسرائيل إلى “منع ومعاقبة التحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية”. وقد ساعد هذا في التواصل مباشرة مع إسرائيل بشأن ادعاءات جنوب أفريقيا فيما يتعلق بالوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية وانتهاكات إسرائيل لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية وتفاصيلها([41]).
14. لم ترد إسرائيل بشكل مباشر على المذكرة الشفوية التي أرسلتها جنوب أفريقيا بتاريخ 21  كانون الأول/ ديسمبر 2023. ومع ذلك، رفضت إسرائيل علنًا أي إشارة إلى أنها انتهكت القانون الدولي في حملتها العسكرية في غزة. ومن الجدير بالذكر أن إسرائيل رفضت التأكيد بأن الهجمات العسكرية الإسرائيلية على غزة تفي “بالتعريف القانوني للإبادة الجماعية” وأن هدفها “ليس مجرد قتل الأبرياء وتدمير سبل عيشهم فقط، بل أيضًا جهد منهجي لإفراغ غزة من شعبها”([42]) ووصفتها بأنها “شائنة وكاذبة”. وتنفي إسرائيل أن سلوكها في غزة ينتهك التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، مؤكدة أن “اتهام إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية لا أساس له من الصحة على الإطلاق فحسب من حيث الواقع والقانون، بل إنه “أمر بغيض أخلاقيا” و”معادي للسامية”([43]). علاوة على ذلك، انخرطت إسرائيل، ولا تزال، في أعمال وتجاوزات ضد الشعب الفلسطيني في غزة، كما تم التأكيد على أنها إبادة جماعية، ودحضت، من خلال موقفها وسلوكها، أي إشارة إلى أن أعمالها في غزة مقيدة بالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية. وبالفعل أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي في 26 كانون الأول/ ديسمبر 2023: “نحن لن نتوقف. إننا نواصل القتال، وسنعمّق القتال في الأيام المقبلة، وستكون هذه معركة طويلة ولن تنتهي قريبا”([44]). وبالتالي، إن سلوك إسرائيل يعمل على تأكيد الخلاف بين الطرفين. لم تتراجع جنوب أفريقيا عن موقفها المتمثل في أنها مسؤولة كدولة طرف في اتفاقية الإبادة الجماعية عن العمل على منع الإبادة الجماعية أو خطر حدوثها في غزة.
15. وفقًا للسوابق القضائية المعمول بها في المحكمة، فإن النزاع هو “خلاف حول نقطة قانونية أو حقيقة، أو تضارب في وجهات النظر أو المصالح القانونية” بين الأطراف([45]).لايلزم مثل هذا الخلاف أو “المعارضة الإيجابية لادعاء أحد الطرفين من قبل الطرف الآخر بالضرورة ذكره صراحةً بكل معنى الكلمة… يمكن تحديد موقف أحد الطرفين عن طريق الاستدلال، مهما كانت وجهة النظر المعلنة لهذا الطرف”([46]).
16. من الواضح أن هناك نزاع بين إسرائيل وجنوب أفريقيا فيما يتعلق بتفسير وتطبيق اتفاقية الإبادة الجماعية، ويتعلق بامتثال جنوب أفريقيا لالتزامها بمنع الإبادة الجماعية، وامتثال إسرائيل لالتزاماتها بعدم ارتكاب الإبادة الجماعية ومنع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها – بما في ذلك التحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية – وتقديم التعويضات لضحاياها وتقديم الضمانات بعدم تكرارها. وبالنظر إلى أن ادعاء جنوب أفريقيا يتعلق بالتزاماتها كدولة طرف في اتفاقية الإبادة الجماعية بالعمل على منع الإبادة الجماعية – التي تؤدي إليها أفعال إسرائيل وانتهاكاتها – فمن الواضح أن جنوب أفريقيا لها موقف فيما يتعلق بذلك. علاوة على ذلك، بما أنه “يجوز لأي دولة طرف في اتفاقية الإبادة الجماعية، وليس فقط الدولة المتضررة بشكل خاص، أن تحتج بمسؤولية دولة طرف أخرى بهدف التحقق من الفشل المزعوم في الامتثال لالتزامات ذات حجية مطلقة تجاه كافة الأطراف، ووضع حد لتلك الانتهاكات ذلك”، تتمتع جنوب أفريقيا “بحق بديهي” لتقديم نزاعها مع إسرائيل إلى المحكمة “على أساس الانتهاكات المزعومة للالتزامات بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية”([47]).
17. لذلك، عملاً بالمادة 36 (1) من النظام الأساسي للمحكمة والمادة التاسعة من اتفاقية الإبادة الجماعية، تتمتع المحكمة بالولاية القضائية للنظر في الدعاوى المقدمة في هذا الطلب من جنوب أفريقيا ضد إسرائيل.
3. الحقائق
أ. مقدمة
18. منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، شنت إسرائيل هجوما عسكرياً واسع النطاق برا وجوا وبحراً على قطاع غزة (“غزة”)، وهو شريط ضيق من الأراضي تبلغ مساحتها حوالي 365 كيلومتراً مربعا –  وتصنف من من أكثر الأماكن كثافة سكانية في العالم([48]).
تعرضت غزة – التي يسكنها حوالي 2.3 مليون شخص، نصفهم تقريبًا من الأطفال – من قبل إسرائيل لما وُصف بأنه  من إحدى “أعنف حملات القصف التقليدي” في التاريخ للحرب الحديثة([49]).بحلول 29 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وحده، تشير التقديرات أنه تم إسقاط 6000 قنبلة أسبوعيًا على هذا القطاع الصغير([50]). وبعد شهرين، أحدثت الهجمات العسكرية الإسرائيلية “دمارًا أكبر من حجم الدمار الذي لحق بمدينة حلب السورية بين سنتي 2012 و2016،  ومدينة ماريوبول في أوكرانيا، أو قصف الحلفاء لألمانيا في الحرب العالمية الثانية ([51]).
إن الدمار الذي أحدثته إسرائيل بلغ من الشدة حداً جعل “غزة تبدو في الوقت الراهن بلون مختلف عند مشاهدتها من الفضاء. باتت تتخذ نسيجا مختلف”([52]). كما ذكر الأمين العام للأمم المتحدة، في رسالة مؤرخة في السادس من كانون الأول/ ديسمبر 2023 موجهة إلى رئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة([53])، التي أحاطت الجمعية العامة للأمم المتحدة “علمًا” بها بشكل صريح في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة دإط-10/22 المؤرخ 12 كانون الأول/ديسمبر 2023 بشأن حماية المدنيين والوفاء بالالتزامات القانونية والإنسانية([54]):
“يواجه المدنيون في جميع أنحاء غزة خطراً جسيماً. ومنذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية، قُتل ما يزيد على 15 ألف شخص، حسبما ورد، وكان أكثر من 40 في المائة منهم من الأطفال. وأصيب آلاف آخرون. وقد تم تدمير أكثر من نصف المنازل. وقد تم تهجير حوالي 80% من السكان البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة قسراً إلى مناطق أصغر مساحة. وقد لجأ أكثر من 1.1 مليون شخص إلى مرافق الأونروا في جميع أنحاء غزة، مما أدى إلى خلق ظروف مكتظة ومهينة وغير صحية. وآخرون ليس لديهم مكان يحتمون به ويجدون أنفسهم في الشارع. تجعل مخلفات الحرب القابلة للانفجار المناطق غير صالحة للسكن. بالتالي، لا توجد حماية فعالة للمدنيين.
انهار نظام الرعاية الصحية في غزة.  تحولت المستشفيات إلى ساحات قتال  وبات هناك 14 مستشفى فقط من إجمالي 36 منشأة تعمل بشكل جزئي. ويعمل المستشفيان الرئيسيان في جنوب غزة بثلاثة أضعاف طاقتهما السريرية، كما أن الإمدادات الأساسية والوقود ينفد منهما. كما أنها تؤوي آلاف النازحين. وفي ظل هذه الظروف، سيموت المزيد من الأشخاص دون علاج في الأيام والأسابيع المقبلة.
لا يوجد مكان آمن في غزة. وسط القصف المستمر من قبل قوات الدفاع الإسرائيلية، وبدون مأوى أو الضروريات اللازمة للبقاء على قيد الحياة، أتوقع أن ينهار النظام العام تمامًا قريبًا بسبب الظروف البائسة، مما يجعل المساعدة الإنسانية حتى المحدودة مستحيلة. ويمكن أن يزداد الوضع سوءا،  من خلال انتشار الأمراض الوبائية وزيادة الضغط من أجل النزوح الجماعي إلى البلدان المجاورة.
وبينما يستمر تسليم الإمدادات عبر معبر رفح، فإن الكميات غير كافية وقد  تقلصت منذ انتهاء الهدنة. نحن ببساطة غير قادرين على الوصول إلى المحتاجين داخل غزة. . . إننا نواجه خطرا شديدا يتمثل في انهيار النظام الإنساني. إن الوضع يتدهور بسرعة ليتحول إلى كارثة ذات آثار محتملة لا رجعة فيها بالنسبة للفلسطينيين ككل وللسلام والأمن في المنطقة. ويجب تجنب مثل هذه النتيجة بأي ثمن([55])”.
19. ومنذ كتابة تلك الرسالة، ارتفعت الأرقام بشكل أكثر وضوحا: فقد قُتل ما لا يقل عن 110 21 فلسطينيا في غزة وأصيب أكثر من 243 55 فلسطينيا آخرين، والعديد منهم في حالة خطيرة([56]). يشمل عدد القتلى أكثر من 7729 طفلاً([57])، لا يشمل ذلك 4700 امرأة وطفل ما زالوا في عداد المفقودين، ويفترض أنهم ماتوا تحت الأنقاض([58]). وقد تم القضاء على عائلات بأكملها متعددة الأجيال بالكامل. تعرض أكثر من 355,000 منزل، أي ما يعادل أكثر من 60 بالمائة من المساكن في غزة، للأضرار أو للتدمير([59]).
وقد نزح 1.9 مليون فلسطيني – حوالي 85 بالمائة من إجمالي السكان – داخليًا([60]). فر الكثيرون من شمال القطاع إلى الجنوب، بعد أن أمرتهم إسرائيل بالقيام بذلك، ليتم قصفهم مرة أخرى في الجنوب، ويُطلب منهم الفرار مرة أخرى إلى الجنوب أو الجنوب الغربي، حيث يضطرون إلى العيش في مخيمات مؤقتة تفتقر إلى المياه والصرف صحي أو مرافق أخرى([61]).  قصفت إسرائيل مستشفيات غزة وحاصرتها، ولم يعد قيد الخدمة سوى 13 مستشفى من إجمالي 36 مستشفى بشكل جزئي، ولم يتبق أي مستشفى يعمل بكامل طاقته في شمال غزة ([62]). انهار نظام الرعاية الصحية في غزة تقريبًا، وقد أوردت العديد من التقارير عن إجراء عمليات، بما في ذلك عمليات بتر الأطراف والعمليات القيصرية، دون مخدر([63]). وهناك نسبة كبيرة من الجرحى والمرضى غير قادرين على الحصول على أي رعاية كافية([64]). وتنتشر الأمراض المعدية والوبائية بين السكان الفلسطينيين النازحين، ويحذر الخبراء من خطر الإصابة بالتهاب السحايا والكوليرا وغيرها من الأوبئة ([65]). تتعرض غزة لخطر المجاعة الوشيك، في حين أن نسبة الأسر المتأثرة بانعدام الأمن الغذائي الحاد هي الأكبر على الإطلاق وفقًا للتصنيف المرحلي المتكامل لمراحل الأمن الغذائي ([66]). ويحذر الخبراء من أن الوفيات الصامتة والبطيئة الناجمة عن الجوع والعطش خطر تتجاوز تلك الوفيات العنيفة التي سببتها القنابل والصواريخ الإسرائيلية([67]).
20. وقد أعربت الجمعية العامة للأمم المتحدة عن “قلقها البالغ إزاء الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة ومعاناة السكان المدنيين الفلسطينيين”([68])، وأشار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على وجه الخصوص إلى “الأثر غير المتناسب على الأطفال”([69]). وفي قرارها إي إس-10/22 المؤرخ 12 كانون الأول/ديسمبر 2023، أحيطت الجمعية العامة للأمم المتحدة أيضًا “علمًا” صريحًا برسالة مؤرخة في 7 كانون الأول/ديسمبر 2023 من المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى ( “الأونروا”) موجهة إلى رئيس الجمعية العامة. وفي الرسالة غير المسبوقة، توقع المفوض العام… انتهاء الولاية التي من المتوقع أن يقضيها” ودعى إلى “وضع حد لتدمير غزة وشعبها”([70]).
ب. الخلفية
1. قطاع غزة (“غزة”)
21- تعتبر غزة عبارة عن شريط ضيق من الأراضي، يحدها من الغرب البحر الأبيض المتوسط، ومن الجنوب مصر، ومن الشمال والشرق إسرائيل. وتمثل إلى جانب الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، إحدى المنطقتين المكونتين للأرض الفلسطينية المحتلة (‘الأرض الفلسطينية المحتلة’) – التي احتلتها إسرائيل في سنة 1967 – ودولة فلسطين، التي اعترفت بها جنوب أفريقيا في 15 شباط/فبراير 1995، ومنحت مركز دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة في 29  تشرين الثاني/نوفمبر 2012([71]).
22. يبلغ عدد سكان غزة حوالي 2.3 مليون نسمة، أكثر من نصفهم من الأطفال. يعتبر 80 بالمئة من الفلسطينيين في غزة هم لاجئون – وأحفادهم – من البلدات والقرى في ما يعرف الآن بدولة إسرائيل([72])، طردوا أو أجبروا على الفرار أثناء التهجير الجماعي لأكثر من 750 ألف فلسطيني أو ما يعرف”بالنكبة” أثناء إنشاء دولة إسرائيل([73]). ولذلك فإن النكبة والتهجير الجماعي المرتبط بها يحتل مكانة بارزة في تاريخ ووعي الفلسطينيين في غزة، كما هو الحال بالنسبة للشعب الفلسطيني الأوسع. يشكل الفلسطينيون في غزة جزءا كبيرا من المجموعة الوطنية والعنصرية والإثنية الفلسطينية: فهم جزء بارز من المجموعة، ويشكلون سكان إحدى المنطقتين المكونتين لدولة فلسطين. ويمثلون جزءًا كبيرًا من الناحية الكمية من السكان الفلسطينيين في دولة فلسطين الواقعة تحت الاحتلال، والذين يبلغ عددهم حوالي 5.48 مليون نسمة([74]).

خريطة قطاع غزة([75])
23. تضم غزة خمس محافظات. وتمتد محافظات شمال غزة ومحافظات غزة التي تشكل “الشمال” من شمال وادي غزة باتجاه معبر إيريز، وهو معبر للمشاة إلى إسرائيل (المعروف أيضًا باسم “معبر بيت حانون”). يعد “الشمال” ه عادة موطن لحوالي 1.1 مليون فلسطيني([76])، يتركز العديد منهم في مدينة غزة (حوالي 713,488 نسمة)([77])، وكذلك في بيت لاهيا وبيت حانون، وفي مخيمي الشاطئ وجباليا للاجئين. ويقع في الشمال أكبر مستشفى في غزة، مستشفى الشفاء الطبي، بالإضافة إلى مستشفى كمال عدوان. يبلغ عدد سكان محافظة دير البلح (“المنطقة الوسطى”) عادة 302,507 نسمة([78])، في المقام الأول في مدينة دير البلح، وكذلك في مخيمات المغازي والنصيرات والبريج ومخيمات دير البلح للاجئين؛ فهو المكان الذي توجد فيه محطة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة. وتقع محافظتا خان يونس ورفح (“الجنوب”) أسفل محافظة دير البلح وتمتدان إلى معبر رفح مع مصر.
تقع المراكز السكانية الرئيسية في الجنوب وهي خان يونس ورفح، بالإضافة إلى مخيمي خان يونس ورفح للاجئين. يقع معبر كارم شالوم (المعروف أيضًا باسم معبر كارم أبو سالم) على بعد أربعة كيلومترات غرب مدينة رفح. يقع مستشفى ناصر في الجنوب كذلك([79]). بلغ عدد سكان الجنوب قبل تشرين الأول/ أكتوبر 2023 حوالي 673,844 نسمة([80]). وتأوي المنطقة الوسطى والجنوب الآن أكثر من 1.2 مليون نازح داخلي في 98 منشأة تابعة للأونروا([81])، وعشرات الآلاف في خيام مؤقتة في منطقة المواصي – وهي بلدة بدوية فلسطينية تقع في شريط صغير من الرمال غير المستغلة في الغالب على طول ساحل غزة على البحر الأبيض المتوسط([82]) حددتها إسرائيل عند استئناف الأعمال القتالية في الأسبوع الأول من كانون الأول/ ديسمبر 2023 على أنها “منطقة آمنة” مزعومة([83]). ويُعتقد أن حوالي 160 ألف فلسطيني نازح لا يزالون يسكنون في مرافق الأونروا في الشمال([84])، بالإضافة إلى آخرين يحتمون في مواقع أخرى.
24. حتى سنة 2005، كانت غزة – مثل الضفة الغربية اليوم – محتلة من قبل القوات العسكرية الإسرائيلية على أرض الواقع. ومع ذلك، في سنة 2005، قامت إسرائيل “بفك الارتباط” من غزة من جانب واحد، وتفكيك قواعدها العسكرية ونقل المستوطنين الإسرائيليين من المستوطنات في غزة إلى إسرائيل وإلى الضفة الغربية المحتلة([85]). على الرغم من “فك الارتباط”، تواصل إسرائيل ممارسة سيطرتها على المجال الجو والمياه الإقليمية والمعابر البرية والمياه والكهرباء والمجال الكهرومغناطيسي والبنية التحتية المدنية في غزة([86])، بالإضافة إلى استيلاءها على المهام الحكومية الرئيسية، مثل إدارة سجل السكان الفلسطينيين في غزة([87]). ونظرًا لاستمرار سيطرة إسرائيل الفعالة على القطاع، غزة، لا يزال المجتمع الدولي يعتبرها خاضعة لاحتلال عسكري من جانب إسرائيل([88]). وقد تجلت السيطرة شبه الكاملة التي تمارسها إسرائيل على الوصول إلى غزة، وعلى المياه والوقود والكهرباء وإمدادات الغذاء، بشكل صارخ منذ  السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
25. حُظر الدخول والخروج جواً وبحراً إلى غزة منذ أوائل التسعينيات، حيث تدير إسرائيل معبرين فقط – إيريز (للمشاة) وكرم شالوم (للبضائع) – يمكن للفلسطينيين في غزة من خلالهما الوصول إلى الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، لعمل والتجارة و الحصول على الرعاية الصحية والتمتع بالمرافق الاجتماعية وزيارة الأقارب([89]). مع ذلك، فرضت إسرائيل حصارًا صارمًا على غزة، في أعقاب فوز حماس في الانتخابات سنة 2006 والذي أعقبه أعمال عنف بين الفلسطينيين، معلنة أن المنطقة بأكملها “منطقة معادية”([90]). تم تشديد القيود الحالية على حركة الأشخاص بشكل كبير، حيث أصبح معظم الفلسطينيين في غزة غير مؤهلين للحصول على تصاريح للسفر، مما أدى إلى انفصال طويل الأمد وغير محدد للعديد من العائلات الفلسطينية([91]). ولا يحصل سوى القليل من المؤهلين للسفر ” بالضرورة” على تصاريح، ويواجهون دائمًا تأخيرات وصعوبات في هذه العملية([92]). بين سنتي 2008 و2021، سجلت منظمة الصحة العالمية أن 839 فلسطينيًا من غزة توفوا أثناء انتظارهم للحصول على تصاريح طبية لمغادرة غزة لتلقي العلاج الطبي العاجل([93]).كانت غالبية التصاريح مخصصة لعمال اليوميين وتجار المنتجات الزراعية، وذلك في المقام الأول للقيام بأعمال منخفضة المهارات في إسرائيل وفي المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية([94]). بين سنتي 2007 و2010، نظمت إسرائيل واردات الأغذية إلى غزة وفقًا للسعرات الحرارية لكل شخص، للحد من تحويلات الغذاء إلى “الحد الأدنى الإنساني”، دون التسبب في الجوع أو سوء التغذية([95]). بعد ذلك طبقت إسرائيل نظام “الاستخدام المزدوج” على الواردات إلى غزة، وقيدت بشدة دخول البضائع من خلال حظر البضائع التي يمكن أن يكون لها استخدام مدني/عسكري مزدوج ([96]).
26. ويؤثر تنفيذ إسرائيل الموازي لمنطقة عازلة واسعة داخل السياج الحدودي الشرقي لغزة (يُقدر أنه يقيد الوصول إلى حوالي 24 في المائة من غزة) بشدة على الإمدادات الغذائية الداخلية، عن طريق تقليص المساحة الزراعية الرئيسية المخصصة للزراعة([97]). كما جعلت إسرائيل صيد الأسماك خطيرا للغاية بالنسبة للفلسطينيين، الذين لم يكن لديهم إمكانية الوصول الكامل إلى منطقة الصيد البالغة 20 ميلًا بحريًا المنصوص عليها في اتفاقيات أوسلو – الاتفاقيات المؤقتة المبرمة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في أوائل التسعينيات. أدى الحصار البحري – الذي فرضته القوات الإسرائيلية من خلال استخدام القوة والاعتقالات ومصادرة معدات الصيد – إلى تقليص منطقة مستجمعات الصيد لصيادي الأسماك في غزة بشدة، مما أدى إلى تلوث المياه قبالة الساحل مباشرة، وتفشي الصيد الجائر الذي يؤثر بدوره على الاستدامة([98]). منذ فترة طويلة في عام 2015، حذر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) من أن الإجراءات التقييدية التي تفرضها إسرائيل تهدد بأن تصبح غزة غير صالحة للسكن بحلول سنة 2022([99]). في سنة 2020، وصف مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967، تأثير الحصار الإسرائيلي على غزة بأنه حوّل غزة “من مجتمع منخفض الدخل يتمتع بعلاقات تصدير متواضعة ولكن متنامية مع الاقتصاد الإقليمي والدولي إلى غيتو فقير مع اقتصاد متهالك ونظام خدمة اجتماعية منهار”([100]). وفي سنة 2022، وصف الوضع على النحو التالي:
“في غزة، تتمثل الإستراتيجية الواضحة لإسرائيل في إيواء سكان غير مرغوب فيهم يبلغ عددهم مليوني فلسطيني لأجل غير مسمى، والذين حصرتهم في شريط ساحلي ضيق من الأرض من خلال الحصار الجوي والبري والبحري الشامل الذي تفرضه منذ 15 عامًا (مع المزيد من القيود التي تفرضها مصر على الحدود الجنوبية لغزة). وقد وصف بان كي مون هذا الحجر الصحي السياسي للسكان بأنه “عقاب جماعي”، وهو انتهاك خطير للقانون الدولي.
ذكر البنك الدولي في عام 2021 أن قطاع غزة خضع لعملية طويلة الأمد من التراجع الاقتصادي والصناعي، أدت إلى معدل بطالة بنسبة 45 بالمائة ونسبة فقر تصل إلى 60 بالمائة؛ حيث أصبح 80 بالمائة من السكان يعتمدون على شكل من أشكال المساعدة الدولية، ويعود ذلك في جزء كبير منه إلى الحصار المحكم الذي يمنع وصول غزة إلى العالم الخارجي، ولقد أصبحت طبقة المياه الجوفية الساحلية، وهي المصدر الوحيد لمياه الشرب الطبيعية في غزة، ملوثة وغير صالحة للاستهلاك البشري بسبب التلوث بمياه البحر والصرف الصحي، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف المياه بشكل كبير بالنسبة للسكان المعوزين بالفعل، وتعتمد غزة بشكل كبير على مصادر خارجية – إسرائيل ومصر – للحصول على الطاقة، ويعيش الفلسطينيون في ظل انقطاع التيار الكهربائي بشكل متواصل لمدد تتراوح بين 12 و20 ساعة يوميًّا، مما يضعف بشدة الحياة اليومية والاقتصاد، ويخضع دخول وتصدير البضائع لرقابة صارمة من قبل إسرائيل، مما أدى إلى خنق الاقتصاد المحلي، كما أن نظام الرعاية الصحية في غزة في حالة انهيار تام، مع وجود نقص خطير في العاملين في مجال الرعاية الصحية، وعدم كفاية معدات العلاج، وانخفاض الإمدادات من الأدوية والعقاقير الطبية، ونادرًا ما يتمكن الفلسطينيون في غزة من السفر خارجها، الأمر الذي يشكل إنكارًا لحقهم الأساسي في حرية التنقل، والأمر الأكثر خطورة هو أنهم تحملوا أربع حروب غير متكافئة إلى حد كبير مع إسرائيل على مدى الأعوام الثلاثة عشر الماضية، والتي تسببت في خسائر فادحة في أرواح المدنيين وتدمير هائل للممتلكات، هذه المعاناة اعترف بها أنطونيو غوتيريش في تموز/مايو 2021، عندما قال: “إذا كان هناك جحيم على الأرض، فهو حياة الأطفال في غزة”([101]).
27.  في الفترة من 29 أيلول/ سبتمبر 2000 إلى 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، قُتل ما يقرب من 7,569 فلسطينيًا ([102])، من بينهم 1,699 طفلًا([103])، بما في ذلك في تلك “الحروب الأربع غير المتكافئة إلى حد كبير”، فضلًا عن الهجمات العسكرية الأخرى الأصغر حجمًا، مع إصابة عشرات الآلاف آخرين، وقتل 214 فلسطينيًّا آخرين من بينهم 46 طفلًا خلال “مسيرة العودة الكبرى”([104])، وهي احتجاج سلمي واسع النطاق على طول السياج الفاصل بين غزة وإسرائيل، شارك فيه آلاف الفلسطينيين كل يوم جمعة لأكثر من 18 شهرًا، مطالبين “برفع الحصار المفروض على غزة ورفع غزة وعودة اللاجئين الفلسطينيين” إلى منازلهم وقراهم في إسرائيل ([105])، وفي يوم دموي واحد، قتلت إسرائيل 60 متظاهرًا فلسطينيًا([106])، كما حددت لجنة التحقيق المستقلة بشأن الاحتجاجات في الأراضي الفلسطينية المحتلة (“اللجنة”) أنه:
“خلال هذه المظاهرات الأسبوعية، قتلت قوات الأمن الإسرائيلية وأصابت بجروح خطيرة  مدنيين لم يشاركوا بشكل مباشر في الأعمال العدائية ولم يشكلوا تهديدًا وشيكًا للحياة، وكان من بين المصابين بالرصاص أطفال ومسعفون وصحفيون وأشخاص من ذوي الإعاقة”([107]).
28.  كان من بين هؤلاء الذين قتلوا على يد الجنود الإسرائيليين، الذين أطلقوا النار من خلف السياج الفاصل، ثلاثة مسعفين وصحفيين، وأصابت إسرائيل ما يزيد على 36,100 فلسطيني، من بينهم ما يقرب من 8,800 طفل([108])، وأصيب 4,903 شخص بالرصاص في الأطراف السفلية، “وكان العديد منهم يقفون على بعد مئات الأمتار من القناصين، غير مسلحين”([109])، واضطر 156 منهم إلى بتر طرف واحد على الأقل([110])، فيما احتاج أكثر من 1200 إلى علاج متخصص لإعادة بناء الأطراف([111])، ووجدت اللجنة أن عملية التشويه لم تكن عرضية؛ فقواعد الاشتباك التي اعتمدتها إسرائيل تسمح للقناصين بإطلاق النار على أرجل “المحرضين الرئيسيين”([112])، واعترف جندي إسرائيلي بأنه أطلق النار على “42 ركبة في يوم واحد”([113]).
29.  وجدت اللجنة أن هناك أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن القناصة الإسرائيليين “أطلقوا النار عمدًا” على الأطفال، مع علمهم أنهم أطفال([114])، وأنهم أيضًا “أطلقوا النار عمداً” على العاملين في مجال الصحة والصحفيين “على الرغم من أنهم رأوا أنهم يرتدون علامات واضحة تدل عليهم”([115])، ووجدت كذلك “أسبابًا معقولة للاعتقاد” بأن القناصة الإسرائيليين أطلقوا النار على المتظاهرين المعاقين “عمدًا، على الرغم من رؤيتهم لإعاقاتهم الواضحة”، وعلى الرغم من أنهم لا يشكلون تهديدًا وشيكًا([116]).
30. وقد خلصت تقارير أخرى صادرة عن هيئات ومنتدبي الأمم المتحدة بشكل متكرر إلى أن إسرائيل قد ارتكبت انتهاكات خطيرة للقانون الدولي في هجماتها العسكرية السابقة على غزة، على سبيل المثال:
— تقرير لجنة التحقيق في حقوق الإنسان المنشأة عملًا بقرار اللجنة رقم “S-5/1” المؤرخ  بتاريخ 19 تشرين الأول/أكتوبر 2000 (16 آذار/مارس 2001):([117])
“50… ويبدو أن جيش الدفاع الإسرائيلي، على أساس الضرورة العسكرية، قد دمر المنازل وألحق الدمار بمساحة كبيرة من الأراضي الزراعية، وخاصة في غزة، التي تعاني بالفعل من نقص الأراضي، وتشير الإحصائيات إلى أنه تم هدم 94 منزلًا، وتجريف 7,024 دونمًا من الأراضي الزراعية في غزة، وتقدّر الأضرار التي لحقت بالمنازل الخاصة بمبلغ 9.5 ملايين دولار أمريكي والأضرار التي لحقت بالأراضي الزراعية بنحو 27 مليون دولار أمريكي…. وقد دُمرت المنازل الواقعة على هذه الأرض واضطرت الأسر إلى العيش في الخيام، كما دُمرت آبار المياه في المنطقة المجاورة بالكامل، ووجدت اللجنة أنه من الصعب تصديق أن هذا التدمير، الذي يتم عمومًا في منتصف الليل ودون سابق إنذار، له ما يبرره على أساس الضرورة العسكرية، وبدا للجنة أن هذا التدمير للممتلكات قد تم بطريقة تخويفية لا علاقة لها بالأمن، وعدم احترام رفاهية المدنيين، وتتجاوز احتياجات الضرورة العسكرية، وتشير الأدلة إلى أن تدمير الممتلكات وهدم المنازل تكرر في أماكن أخرى في الضفة الغربية وقطاع غزة، والفلسطينيون، كغيرهم من الناس، مرتبطون بشدة بمنازلهم وأراضيهم الزراعية، وإن هدم المنازل وتدمير أشجار الزيتون والحمضيات، التي رعاها المزارعون على مدى سنوات عديدة، قد تسبب في معاناة إنسانية لا توصف لأشخاص لا علاقة لهم بالعنف الحالي…..”
51. تستنتج اللجنة أن جيش الدفاع الإسرائيلي قد تورط في الاستخدام المفرط للقوة على حساب الأرواح والممتلكات في فلسطين.
— تقرير بعثة تقصي الحقائق رفيعة المستوى إلى بيت حانون المنشأة بموجب قرار المجلس رقم “S-3/1” (في 1 أيلول/سبتمبر 2008، رئيس الأساقفة ديزموند توتو والبروفيسور كريستين شينكين)([118]):
“72. تعرب البعثة عن تعاطفها مع جميع ضحايا القصف الذي وقع في 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2006 على بيت حانون، لقد أودى الهجوم بحياة أشخاص، وألحق إصابات جسدية وعقلية مروعة، ومزق عائلات، ودمر منازل، وحرمهم من سبل العيش، وأصاب السكان بالصدمة، وقد ضاعفت آثاره تلك العلل…
75. …. وفي غياب تفسير مبرر من جانب الجيش الإسرائيلي (الذي يملك وحده الحقائق ذات الصلة)، يجب على البعثة أن تخلص إلى أن وجود احتمال بأن يكون قصف بيت حانون يشكل جريمة حرب على النحو المحدد في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية….
76. لقد كانت سيادة القانون من بين ضحايا قصف بيت حانون؛ فلم تكن هناك مساءلة عن العمل الذي أدى إلى مقتل 19 شخصًا وإصابة كثيرين آخرين…
— تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن النزاع في غزة والمنشأة عملًا بقرار مجلس حقوق الإنسان رقم “S-9/1” المؤرخ بتاريخ 12 كانون الثاني/يناير 2009 (25 أيلول/سبتمبر 2009)([119]):
“36.… لم تجد البعثة أي دليل يدعم الادعاءات القائلة بأن مرافق المستشفيات قد استخدمت من قبل سلطات غزة أو الجماعات المسلحة الفلسطينية لحماية الأنشطة العسكرية أو أن سيارات الإسعاف استخدمت لنقل المقاتلين أو لأغراض عسكرية أخرى، واستنادًا إلى تحقيقاتها الخاصة وتصريحات مسؤولي الأمم المتحدة؛ تستبعد البعثة أن تكون الجماعات الفلسطينية المسلحة قد شاركت في أنشطة قتالية من مرافق الأمم المتحدة التي استخدمت كملاجئ أثناء العمليات العسكرية…
55.  حققت البعثة في أربع حوادث قامت فيها القوات المسلحة الإسرائيلية بإكراه رجال مدنيين فلسطينيين تحت تهديد السلاح على المشاركة في عمليات تفتيش المنازل أثناء العمليات العسكرية… وتخلص البعثة إلى أن هذه الممارسة ترقى إلى مستوى استخدام المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية، وبالتالي فهي محظورة بموجب القانون الإنساني الدولي… وتم استجواب الرجال الفلسطينيين الذين تم استخدامهم كدروع بشرية تحت التهديد بالقتل أو الإصابة لانتزاع معلومات عن حماس والمقاتلين الفلسطينيين والأنفاق، وهذا يشكل انتهاكًا آخر للقانون الإنساني الدولي….
60. بالإضافة إلى الحرمان التعسفي من الحرية وانتهاك الحقوق في الإجراءات القانونية الواجبة، فإن حالات المدنيين الفلسطينيين المحتجزين تسلط الضوء على خيط مشترك للتفاعل بين الجنود الإسرائيليين والمدنيين الفلسطينيين والذي ظهر بوضوح أيضًا في العديد من الحالات التي نوقشت في مكان آخر من التقرير: من الانتهاكات المستمرة والمنهجية، والاعتداء على الكرامة الشخصية، والمعاملة المهينة التي تحط من الكرامة وتتعارض مع المبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، وتخلص البعثة إلى أن هذه المعاملة هي إنزال للعقوبة الجماعية بهؤلاء المدنيين وتصل إلى حد تدابير التخويف والإرهاب…
382. في تقييم الضربات الإسرائيلية ضد مبنى المجلس التشريعي والسجن الرئيسي، لاحظت البعثة في المقام الأول أن حماس هي منظمة ذات مكونات سياسية وعسكرية ورعاية اجتماعية واضحة المعالم..
391. ترفض البعثة تحليل كبار المسؤولين الإسرائيليين الحاليين والسابقين بأنه، بسبب الطبيعة المزعومة لحكومة حماس في غزة، فإن التمييز بين الأجزاء المدنية والعسكرية من البنية التحتية الحكومية لم يعد ذا صلة بالصراع بين إسرائيل وحماس…
392. وترى البعثة أن هذه حجة خطيرة ينبغي رفضها بشدة باعتبارها تتعارض مع مبدأ التمييز الأساسي، ويحظر القانون الإنساني الدولي الهجمات ضد الأهداف التي لا تقدم مساهمة فعالة في العمل العسكري، وتعتبر الهجمات غير الموجهة ضد أهداف عسكرية (أو ذات استخدام مزدوج) انتهاكًا لقوانين الحرب، بغض النظر عن مدى نجاح المهاجم في اعتبارها من وجهة نظر استراتيجية أو سياسية…
522. جاء التحذير بالذهاب إلى مراكز المدن في بداية الغزو البري، وترى البعثة أنه كان من غير المعقول، في هذه الظروف، الافتراض بأن المدنيين سيغادرون منازلهم بالفعل، ونتيجة لذلك، فإن الاستنتاج الذي يُزعم أنه يشكل جزءً من منطق الجنود على الأرض، بأن أولئك الذين بقوا في أماكنهم يجب أن يكونوا مقاتلين، هو استنتاج غير مبرر على الإطلاق.
629. مع الأخذ في الاعتبار الأسلحة المستخدمة، ولا سيما استخدام الفسفور الأبيض داخل وحول مستشفى كانت القوات المسلحة الإسرائيلية تعلم أنه لا يتعامل مع عشرات الجرحى والجرحى فحسب، بل يوفر أيضًا المأوى لعدة مئات من المدنيين، تجد البعثة، استنادًا إلى جميع المعلومات المتاحة لها، أن القوات المسلحة الإسرائيلية، بضربها المستشفى ومستودع سيارات الإسعاف بشكل مباشر في هذه الظروف، انتهكت المادة 18 من اتفاقية جنيف الرابعة وانتهكت القانون الدولي العرفي فيما يتعلق بالتناسب…
1027. البعثة… وجدت أن التدمير المنهجي للأغذية وخدمات الإنتاج والمياه وصناعات البناء كان مرتبطا بالسياسة العامة المتمثلة في التدمير غير المتناسب لجزء كبير من البنية التحتية في غزة.
1214. من خلال إطارها الفضفاض للغاية “للبنية التحتية الداعمة”، سعت القوات المسلحة الإسرائيلية إلى بناء نطاق أنشطتها، والذي كان في رأي البعثة مصممًا ليكون له عواقب وخيمة لا محالة على غير المقاتلين في غزة…
1215- إن تصريحات القادة السياسيين والعسكريين قبل العمليات العسكرية وأثناءها في غزة لا تترك مجالًا للشك في أن التدمير غير المتناسب والعنف ضد المدنيين كانا جزءً من سياسة متعمدة…
1883. كانت العمليات العسكرية في غزة، وفقًا للحكومة الإسرائيلية، مخططة بدقة وعلى نطاق واسع، وبينما سعت الحكومة الإسرائيلية إلى تصوير عملياتها على أنها رد فعل أساسي على الهجمات الصاروخية في إطار ممارسة حقها في الدفاع عن النفس، ترى البعثة أن الخطة كانت موجهة، جزئيًّا على الأقل، نحو هدف مختلف: وهو شعب غزة ككل…
1888. تدرك البعثة تمامًا أن القوات المسلحة الإسرائيلية، مثل أي جيش يحاول التصرف ضمن حدود القانون الدولي، يجب أن تتجنب المخاطرة غير الضرورية بحياة جنودها، ولكن لا يمكنها أيضًا نقل هذا الخطر إلى حياة المدنيين من الرجال والنساء والأطفال، تنطبق المبادئ الأساسية للتمييز والتناسب على ساحة المعركة، سواء كانت ساحة المعركة منطقة حضرية مبنية أو ساحة مفتوحة.
1889. يبدو للبعثة أن الفشل المتكرر في التمييز بين المقاتلين والمدنيين كان نتيجة لتوجيهات متعمدة صدرت للجنود، كما وصفها بعضهم، وليس نتيجة هفوات عرضية…
1891. يتضح من الأدلة التي جمعتها البعثة أن تدمير منشآت الإمدادات الغذائية وأنظمة الصرف الصحي للمياه ومصانع الخرسانة والمنازل السكنية كان نتيجة لسياسة متعمدة ومنهجية من قبل القوات المسلحة الإسرائيلية، وهذا لم يتم تنفيذ لأن تلك الأهداف تمثل تهديداً أو فرصة عسكرية، بل لجعل عملية الحياة اليومية والعيش الكريم أكثر صعوبة بالنسبة للسكان المدنيين…
1892. بالتزامن مع التدمير المنهجي للقدرة الاقتصادية لقطاع غزة، يبدو أن هناك أيضًا اعتداء على كرامة الشعب، ولم يتجلى ذلك في استخدام الدروع البشرية والاعتقالات غير القانونية والتي تكون في بعض الأحيان في ظروف غير مقبولة فحسب، بل ظهر أيضًا في تخريب المنازل عند احتلالها، وفي الطريقة التي يُعامل بها الناس عند دخول منازلهم، وتشكل الكتابات على الجدران، والألفاظ البذيئة، والشعارات العنصرية في كثير من الأحيان، صورة شاملة لإهانة السكان الفلسطينيين وتجريدهم من إنسانيتهم…
1893. تم التخطيط للعمليات بعناية في جميع مراحلها، وتم تقديم الآراء والمشورة القانونية طوال مراحل التخطيط وعلى مستويات تشغيلية معينة خلال الحملة، ولم تكن هناك أخطاء تقريبًا وفقًا لحكومة إسرائيل، وفي ظل هذه الظروف، تخلص البعثة إلى أن ما حدث خلال ما يزيد قليلًا عن ثلاثة أسابيع في نهاية عام 2008 وبداية عام 2009 كان هجومًا متعمدًا وغير متناسب يهدف إلى معاقبة وإذلال وإرهاب السكان المدنيين، وتقليص قدرتهم الاقتصادية المحلية بشكل جذري على العمل وإعالة نفسها، ويفرض عليهم شعورًا متزايدًا بالتبعية والضعف…
1927. وجدت البعثة أن القوات المسلحة الإسرائيلية في غزة قامت بجمع واعتقال مجموعات كبيرة من الأشخاص المحميين بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، وترى البعثة أن احتجازهم لا يمكن تبريره سواء على أنه احتجاز “مقاتلين غير شرعيين” أو على أنه اعتقال لمدنيين تحت أسباب أمنية قاهرة….
1929. وترى البعثة أيضًا أن القوات المسلحة الإسرائيلية هاجمت ودمرت بشكل غير قانوني وتعسفي ودون ضرورة عسكرية عددًا من مرافق إنتاج وتجهيز الأغذية (بما في ذلك المطاحن والأراضي والمشاتل الزراعية)، ومنشآت مياه الشرب، والمزارع والحيوانات في انتهاك لمبدأ التمييز، ومن الحقائق التي تأكدت منها البعثة، ترى أن هذا التدمير تم بغرض حرمان السكان المدنيين من سبل العيش، في انتهاك للقانون العرفي المنعكس في المادة 54 (2) من البروتوكول الإضافي الأول، وتخلص البعثة كذلك إلى أن القوات المسلحة الإسرائيلية قامت بتدمير واسع النطاق للمنازل السكنية الخاصة وآبار المياه وخزانات المياه بشكل غير قانوني وتعسفي.
— تقرير لجنة التحقيق المستقلة المنشأة عملاً بقرار مجلس حقوق الإنسان رقم “S-21/1” (في 24 يونيو 2015)([120]):
“44.…. إن العدد الكبير من الهجمات المستهدفة ضد المباني السكنية وحقيقة أن مثل هذه الهجمات استمرت طوال العملية، حتى بعد أن أصبح التأثير الوخيم لهذه الهجمات على المدنيين والأعيان المدنية واضحًا، يثير القلق من أن الضربات ربما شكلت تكتيكات عسكرية تعكس نطاقًا أوسع من الهجمات، وهذه السياسة، تمت الموافقة عليها ضمنيًا على الأقل من قبل صناع القرار على أعلى المستويات في حكومة إسرائيل…
51.… إن حقيقة أن جيش الدفاع الإسرائيلي لم يعدل الطريقة التي أجرى بها عملياته بعد أن أدت حلقات القصف الأولية إلى مقتل عدد كبير من المدنيين تشير إلى أن سياساته التي تحكم استخدام المدفعية في المناطق المكتظة بالسكان قد لا تتوافق مع القانون الإنساني الدولي.
53.… ربما تم اعتماد التدمير بنيران المدفعية والغارات الجوية والجرافات كتكتيك للحرب، ويمكن القول إن بعض الدمار قد يكون نتيجة للمحاولات المشروعة لقوات الدفاع الإسرائيلية لتفكيك الأنفاق وحماية جنودها، ومع ذلك، فإن تركيز الدمار في البلدات القريبة من الخط الأخضر، والذي يصل في بعض المناطق إلى 100 بالمائة، والطريقة المنهجية التي تمت بها تسوية هذه المناطق بالأرض واحدة تلو الأخرى، يثير مخاوف من أن مثل هذا التدمير الواسع النطاق لم يكن تقتضيه الضرورة العسكرية الحتمية، وفي حال تأكيد ذلك فإنه يشكل انتهاكًا جسيمًا للمادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة، والتي تعتبر جريمة حرب…
55.… كان المقصود من التحذيرات بالإخلاء إنشاء “مناطق قتال معقمة”، بحيث لم يعد الأشخاص الذين بقوا في المنطقة يعتبرون مدنيين، وبالتالي لا يستفيدون من الحماية التي يوفرها وضعهم المدني، فعلى سبيل المثال، بحسب ما ورد عن رئيس مكتب العقيدة في مقر سلاح المشاة: “… في وقت السلم، يقف الجنود في مواجهة السكان المدنيين، ولكن في وقت الحرب، لا يوجد سكان مدنيون، بل مجرد عدو”….
56…. الاستدلال على أن أي شخص يبقى في منطقة كانت موضع تحذير هو عدو أو شخص متورط في “نشاط إرهابي”، أو إصدار تعليمات بهذا المعنى، يساهم في خلق بيئة مواتية لشن هجمات ضد المدنيين، والمدنيون الذين يختارون عدم الاستجابة للتحذير لا يفقدون الحماية التي يمنحها وضعهم، فالطريقة الوحيدة التي يفقد بها المدنيون حمايتهم من الهجوم هي المشاركة المباشرة في الأعمال العدائية، لذا فإن مجرد إصدار تحذير لا يعفي جيش الدفاع الإسرائيلي من التزاماته القانونية بحماية حياة المدنيين…
57- ويشير فحص الإجراءات التي قام بها جيش الدفاع الإسرائيلي في الشجاعية في تموز/يوليو، وفي رفح في 1 آب/أغسطس إلى أن حماية الجنود الإسرائيليين أثرت بشكل كبير على سلوك جيش الدفاع الإسرائيلي في هذه العمليات، وتجاوزت في بعض الأحيان أي قلق بشأن تقليل الضحايا المدنيين إلى أدنى حد ممكن، ورغم أن حماية القوة هدف مشروع، فإن لدى اللجنة انطباع واضح بأنه عندما تكون حياة الجنود على المحك أو يكون هناك خطر القبض عليهم…
58.… وتعتقد اللجنة أن الثقافة العسكرية التي خلقتها مثل هذه الأولويات السياسية ربما كانت عاملاً ساهم في اتخاذ القرار بإطلاق العنان لقوة نيران هائلة في رفح والشجاعية، في تجاهل تام لتأثيرها المدمر على السكان المدنيين، علاوة على ذلك، فإن تطبيق هذا البروتوكول في سياق بيئة مكتظة بالسكان من خلال استخدام الأسلحة الثقيلة يؤدي كما هو متوقع إلى انتهاكات لمبدأي التمييز والتناسب.
— تقرير النتائج التفصيلية للجنة التحقيق المستقلة المنشأة عملًا بقرار مجلس حقوق الإنسان رقم “S-21/1” المؤرخ بتاريخ 23 تموز/يوليو 2014 (24 حزيران/يونيو 2015)([121]):
293. إن العدد الهائل من القذائف التي تم إطلاقها، وكذلك ما ورد عن إسقاط أكثر من 100 قنبلة تزن طنًا واحدًا في فترة قصيرة من الزمن على منطقة مكتظة بالسكان، إلى جانب الاستخدام المزعوم لوابل من المدفعية، يثير تساؤلات حول احترام احترام جيش الدفاع الإسرائيلي لقواعد التمييز والاحتياطات والتناسب، كما أن هذه الأساليب والوسائل التي يستخدمها جيش الدفاع الإسرائيلي، في مثل هذه المنطقة الصغيرة والمكتظة بالسكان، لا يمكن توجيهها نحو هدف عسكري محدد ولا يمكنها التمييز بشكل كاف بين المدنيين والأعيان المدنية والأهداف العسكرية كما يقتضي القانون الإنساني الدولي، وتشير المعلومات المتوفرة أيضًا إلى أنه أثناء عملية الشجاعية يومي 19 و20 تموز/يوليو، انتهك جيش الدفاع الإسرائيلي الحظر المفروض على التعامل مع عدة أهداف عسكرية فردية مختلفة في منطقة مكتظة بالسكان باعتبارها هدفًا عسكريًا واحدًا، ولذلك، هناك دلائل قوية على أن عملية الشجاعية التي قام بها جيش الدفاع الإسرائيلي يومي 19 و20 تموز/يوليو قد نُفذت في انتهاك لحظر الهجمات العشوائية وقد ترقى إلى مستوى جريمة حرب.
294. وتثير عملية الشجاعية أيضًا مخاوف جدية من أن جيش الدفاع الإسرائيلي لم يمتثل لالتزامه باتخاذ تدابير احترازية في الهجوم، فلا يمكن التوفيق بين اختيار الأساليب والوسائل التي يستخدمها جيش الدفاع الإسرائيلي وبين الالتزام بالحرص المستمر على حماية المدنيين والأعيان المدنية، أو على الأقل التقليل من الخسائر العرضية في أرواح المدنيين والأضرار التي تلحق بالأعيان المدنية في منطقة مكتظة بالسكان….
340… ويشير الدمار واسع النطاق الذي نفذه جيش الدفاع الإسرائيلي في خزاعة، ولا سيما تدمير مناطق بأكملها في البلدة بنيران المدفعية والغارات الجوية والجرافات، إلى أن جيش الدفاع الإسرائيلي نفذ عمليات تدمير لم تكن تقتضيها الضرورة العسكرية…
341. إن مدى الدمار، بالإضافة إلى التصريحات التي أدلى بها قائد اللواء المسؤول عن عملية خزاعة أثناء العملية، ومفادها أن “على الفلسطينيين أن يفهموا أن هذا لا يجدي نفعاً”، تشير إلى وجود نية عقابية في العمل الذي قام به جيش الدفاع الإسرائيلي في خزاعة، وقد تكون عقابًا جماعيًا…
342. تشير المعلومات التي تلقتها اللجنة إلى أنه في عدة حالات، تعرض الفلسطينيون الذين تم اعتقالهم، ومعظمهم في منازلهم في خزاعة، للإهانة والضرب والتهديد بالقتل وغيره من ضروب سوء المعاملة على يد جنود جيش الدفاع الإسرائيلي. وفي بعض الحالات، قد ترقى المعاملة التي وصفها بعض الشهود إلى مستوى التعذيب…
348. وتثير الحوادث الأخرى وأنماط السلوك المزعومة في خزاعة عددًا من المخاوف بموجب القانون الدولي… وتشمل هذه الحوادث: الحوادث التي زُعم فيها أن مدنيين تعرضوا لإطلاق النار من قبل جنود جيش الدفاع الإسرائيلي؛ والهجمات ضد سيارات الإسعاف؛ وعدم تقديم المساعدة الطبية للجرحى…
418. قال جيش الدفاع الإسرائيلي إن العدد الكبير من المباني التي دمرت في عملية “الجرف الصامد” نتج عن استهداف البنية التحتية الإرهابية والقتال العنيف على الأرض. ومع ذلك؛ فإن الأدلة التي جمعتها اللجنة، بما في ذلك تقييم الأحداث المذكورة أعلاه، ومواد الفيديو والصور، وملاحظات برنامج الأمم المتحدة للتدريب والبحث، ومركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية، والشهادات السردية التي أدلى بها جنود جيش الدفاع الإسرائيلي، تشير إلى أن نطاق التدمير الواسع النطاق ربما تم اعتماده كتكتيك للحرب…
576. إلى جانب الخسائر في أرواح المدنيين، حدث تدمير هائل للممتلكات المدنية في غزة: حيث تم تدمير 18000 وحدة سكنية كليًا أو جزئيًا… إن امتلاك منزل له بعد عاطفي – فهو المكان الذي يتم فيه تخزين الذكريات – وفي كثير من الأحيان يكون هناك العديد من العناصر الأخرى التي ترتبط بها ذكريات السكان، إن تدمير منزل المرء أو تعرضه لأضرار بالغة يعني حرمانه من أكثر من مجرد هيكل مادي؛ كما أنه يؤثر بشكل مباشر على جوهر وجود الفرد…
671. تُطرح أسئلة حول دور كبار المسؤولين الذين يضعون السياسة العسكرية في العديد من المجالات التي فحصتها اللجنة، مثل هجمات جيش الدفاع الإسرائيلي على المباني السكنية؛ واستخدام المدفعية وغيرها من الأسلحة المتفجرة ذات الآثار واسعة النطاق في المناطق المكتظة بالسكان؛ وتدمير أحياء بأكملها في غزة؛ واللجوء المنتظم إلى الذخيرة الحية من جانب قوات الدفاع الإسرائيلية، ولا سيما في حالات السيطرة على الحشود في الضفة الغربية، وفي كثير من الحالات، ربما كان الجنود الأفراد يتبعون سياسة عسكرية متفقًا عليها، ولكن ربما تكون هذه السياسة نفسها تنتهك قوانين الحرب.

— تقرير المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 (22 تشرين الأول/أكتوبر 2021)([122]): وأشار المقرر الخاص إلى أنه “من المؤسف أن التسامح الملحوظ من جانب المجتمع الدولي مع الاستثناء الإسرائيلي في سلوكه كاحتلال قد سمح للسياسة الواقعية بأن تتفوق على الحقوق، وللسلطة أن تحل محل العدالة، وللإفلات من العقاب أن يقوض المساءلة”.
— تقرير المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 (22 كانون الأول/ديسمبر 2020)([123]): وجد المقرر الخاص أن “تصرفات إسرائيل تجاه السكان المحميين في غزة ترقى إلى مستوى العقاب الجماعي بموجب القانون الدولي، إن المليوني فلسطيني في غزة ليسوا مسؤولين عن أفعال حماس والجماعات المسلحة الأخرى، ومع ذلك فقد تحملوا نصيباً كبيراً من العقاب عن عمد”.
— تقرير المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 (28 آب/أغسطس 2023): فيما يتعلق بمعاملة إسرائيل للمعتقلين الفلسطينيين، وجد المقرر الخاص أن “حالات التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة تشمل الاعتداءات الجنسية؛ وتغطية رؤوسهم وعصب أعينهم، وإجبارهم على الوقوف لساعات طويلة، وتقييدهم على كرسي في أوضاع مؤلمة، وحرمانهم من النوم والطعام، أو تعريضهم للموسيقى الصاخبة لساعات طويلة؛ أو المعاقبة بالحبس الانفرادي”([124]). وفيما يتعلق بالأطفال الفلسطينيين بالأخص، أكد المقرر الخاص أنهم “يتعرضون لسوء المعاملة الشديد” أثناء الاستجواب([125]).
31. في عام 2019، رأى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية آنذاك أن “هناك أساسًا معقولًا للاعتقاد” بأن الجيش الإسرائيلي ارتكب “جرائم الحرب… في سياق الأعمال القتالية في غزة عام 2014″، على وجه الخصوص([126])، ومؤخرًا، في تشرين الأول/أكتوبر 2023، أكد المدعي العام أن “مكتبه يقوم بتحقيق مستمر وله ولاية قضائية على فلسطين… وهذا يشمل الولاية القضائية على الأحداث الجارية في غزة وكذلك الأحداث الجارية في الضفة الغربية”([127])، وأشار المدعي العام إلى أن “إعاقة إسرائيل لإمدادات الإغاثة… قد تشكل جريمة تدخل في نطاق اختصاص المحكمة”([128])، وأشار كذلك إلى أن مكتبه “سيقوم بفحص” جميع المعلومات المتعلقة بالهجمات الإسرائيلية على المنازل والمدارس والمستشفيات والكنائس، والمساجد، لمطابقتها للقانون الإنساني الدولي([129])، ولم يقدم المدعي العام أي إشارة أحدث بشأن حالة التقدم في أي تحقيق فيما يتعلق بالوضع في دولة فلسطين، بما في ذلك الاستجابة لطلب المقدم في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 من قبل جنوب أفريقيا ودول أخرى حتى تقوم المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في جملة أمور منها جريمة الإبادة الجماعية([130]).
2. الضفة الغربية (بما في ذلك القدس الشرقية)
32. وتبلغ مساحة الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وهي الجزء الأكبر من الأرض الفلسطينية المحتلة، 5,655 كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكانها 2.9 مليون فلسطيني، وهي منفصلة جغرافيًّا عن غزة، ومجزأة بسبب المستوطنات الإسرائيلية([131]).
33. قسمت اتفاقيات أوسلو الاختصاصات الإدارية في ثلاث مناطق في الضفة الغربية (المناطق أ، ب، ج – لا تشمل القدس الشرقية) بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل؛ السلطة القائمة بالاحتلال. المنطقة (أ)، التي تضم 18 بالمئة من الضفة الغربية؛ تخضع للسيطرة الإدارية الكاملة للسلطة الفلسطينية، والمنطقة (ب)؛ التي تشكل 22 بالمئة من مساحة الضفة الغربية، وتقع تحت السيطرة الإدارية للسلطة الفلسطينية والسيطرة الأمنية لإسرائيل. والمنطقة (ج)؛ التي تضم 60 بالمئة من الضفة الغربية، تخضع للسيطرة الإدارية والأمنية الإسرائيلية الكاملة([132]). وفي عام 1967؛ زُعم أن إسرائيل ضمت القدس الشرقية المحتلة إلى أراضيها، وفي عام 1980 أدرجت بندًا في قانونها الأساسي يطالب بالقدس “موحدة” كعاصمة لإسرائيل، وهي خطوة استنكرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة باعتبارها “لاغية وباطلة” ويجب “إلغاؤها فورًا”([133]). ومنذ عام 1967؛ قامت إسرائيل ببناء 279 “مستوطنة” للمدنيين الإسرائيليين في جميع أنحاء الضفة الغربية – بما في ذلك 14 مستوطنة في القدس الشرقية – والتي تستولي على 750 ألف دونم (185329 فدانًا) من الأراضي الفلسطينية([134]). وقد أعلن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مرارًا وتكرارًا أن إنشاء إسرائيل لمثل هذه المستوطنات “ليس له أي شرعية قانونية ويشكل انتهاكًا صارخًا بموجب القانون الدولي والقانون الدولي، وعقبة رئيسية أمام تحقيق حل الدولتين والسلام العادل والدائم والشامل”([135]). وبغض النظر عن ذلك، فقد زاد عدد المستوطنين الإسرائيليين الذين تم نقلهم إلى الضفة الغربية (بما في ذلك القدس الشرقية) بشكل كبير من ما يقدر بـ 247,000 في وقت اتفاقيات أوسلو([136])، إلى أكثر من 700,000 في عام 2023([137]). وقرر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية (‘ICC’) أن هناك “أساساً معقولاً للاعتقاد” بأن “أفراداً من السلطات الإسرائيلية ارتكبوا جرائم حرب… فيما يتعلق، من بين أمور أخرى، بنقل المدنيين الإسرائيليين إلى الضفة الغربية”([138]).
34. ووصف مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، الوضع في الضفة الغربية على النحو التالي:
“53….هناك، يخضع الفلسطينيون لنظام قانوني قاسٍ وتعسفي لا يساوي على الإطلاق النظام الذي يتمتع به المستوطنون الإسرائيليون. إن جزءًا كبيرًا من الضفة الغربية محظور على الفلسطينيين، وهم يعانون بانتظام من قيود كبيرة على حريتهم في التنقل من خلال عمليات الإغلاق وحواجز الطرق، والحاجة إلى الحصول على تصاريح سفر يصعب الحصول عليها.
54 – إن الوصول إلى الموارد الطبيعية في الأرض المحتلة، وخاصة المياه، مخصص بشكل غير متناسب لإسرائيل والمستوطنين. وبالمثل؛ فإن نظام التخطيط الذي تديره سلطة الاحتلال للإسكان والتنمية التجارية في جميع أنحاء الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ينطوي على تمييز شديد لصالح بناء المستوطنات، في حين يفرض حواجز كبيرة على الفلسطينيين، بما في ذلك المصادرة المستمرة للأراضي، وهدم المنازل، والحرمان من تراخيص البناء. وتستخدم إسرائيل ممارسات قد تصل في بعض الحالات إلى حد الترحيل القسري للفلسطينيين، ولا سيما أولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية، كوسيلة لمصادرة الأراضي لإقامة المستوطنات ومناطق التدريب على الأسلحة العسكرية وغيرها من الاستخدامات الحصرية لسلطة الاحتلال التي ليس لديها سوى القليل أو لا شيء لها. القيام بمتطلباتها الأمنية المشروعة.
55 – أما بالنسبة للقدس الشرقية، فقد أدى الاحتلال إلى فصلها بشكل متزايد عن روابطها الوطنية والاقتصادية والثقافية والأسرية التقليدية مع الضفة الغربية بسبب الجدار، وتزايد حلقة المستوطنات ونقاط التفتيش ذات الصلة، ونظام التصاريح التمييزي. وهي مهملة من قبل البلدية من حيث الخدمات والبنية التحتية، وقد استنزف الاحتلال اقتصادها، ولم يعد لدى الفلسطينيين سوى مساحة صغيرة من الأرض لبناء مساكن عليها”([139]).
35. إن النظام المؤسسي للقوانين والسياسات والممارسات التمييزية التي تطبقها إسرائيل يُخضع الفلسطينيين لما يشكل نظام فصل عنصري([140]) فالفلسطينيون في الضفة الغربية محصورون خلف جدار فصل، ويخضعون لما يلي: سياسات تقسيم وتخطيط الأراضي التمييزية؛ وهدم المنازل عقابيًا وإداريًا([141])؛ وتوغلات عنيفة للجيش الإسرائيلي في القرى والبلدات والمدن ومخيمات اللاجئين الفلسطينية، بما في ذلك المنطقة أ([142])؛ وغارات إسرائيلية عنيفة روتينية على منازلهم؛ والاعتقالات التعسفية والاحتجاز الإداري لأجل غير مسمى القابل للتجديد (الاعتقال دون محاكمة)؛ ونظام قانوني مزدوج يتم بموجبه محاكمة الفلسطينيين بموجب التشريعات العسكرية الإسرائيلية في محاكم عسكرية إسرائيلية، دون توفير الحماية الأساسية للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، في حين يخضع المستوطنون الإسرائيليون الذين يعيشون في نفس المنطقة لنظام قانوني مختلف، ويحاكمون في محاكم مدنية إسرائيلية تخضع للإجراءات القانونية الواجبة([143]).
36. يتعرض الفلسطينيون في الضفة الغربية أيضًا للعنف الروتيني على أيدي الجنود الإسرائيليين والمستوطنين المسلحين. فقبل 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وفي الفترة ما بين 1 كانون الثاني/يناير و6 تشرين الأول/أكتوبر 2023، قُتل 199 فلسطينيًا على يد جنود أو مستوطنين إسرائيليين في الضفة الغربية، وأصيب 9,000 آخرين([144]). وبحلول سبتمبر/أيلول 2023، أعلنت منظمة إنقاذ الطفولة بالفعل أن عام 2023 هو العام الأكثر دموية بالنسبة للأطفال الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ عام 2005، حيث قُتل ما لا يقل عن 38 طفلًا فلسطينيًّا([145]). ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، إضافة لذلك؛ قُتل 295 فلسطينيًا، من بينهم 77 طفلًا، على يد الجنود والمستوطنين الإسرائيليين، وأصيب 3,803 آخرين، من بينهم 576 طفلًا – العديد منهم في حالة خطيرة([146]). وقُتل ما مجموعه 495 فلسطينيًا في الضفة الغربية، مما يجعلها الحصيلة الأكبر “الأكبر” والعام الأكثر دموية على الفلسطينيين” منذ عام 2005([147]).
37. وفي موجة من الاعتقالات الجماعية التعسفية، احتجزت إسرائيل أكثر من 3000 فلسطيني من الضفة الغربية والقدس الشرقية، بما في ذلك بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تتعلق بالوضع في غزة([148]). وزادت إسرائيل بشكل كبير عدد الفلسطينيين المحتجزين رهن الاحتجاز الإداري، دون تهمة أو محاكمة؛ حيث وصل عددهم إلى 2070([149]). كما تم اعتقال واحتجاز آلاف الفلسطينيين من غزة الذين يعملون في إسرائيل بشكل تعسفي، حيث أُعيد 3,200 قسريًا إلى غزة في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 وسط عمليات قصف مكثفة وواسعة النطاق. وتنتشر على نطاق واسع التقارير التي تفيد بأن العمال الفلسطينيين تعرضوا لسوء المعاملة عند القبض عليهم وتعرضوا للعنف الجسدي والإساءة والإذلال([150]). كما أفاد العديد من الفلسطينيين البالغين والأطفال المحتجزين من الضفة الغربية الذين تم إطلاق سراحهم مقابل الرهائن الإسرائيليين بأنهم تعرضوا أيضًا لسوء المعاملة الشديدة والضرب المبرح وغير ذلك من الاعتداءات على الكرامة الشخصية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 على وجه الخصوص، إلى جانب القيود المفروضة على الوصول إلى الغذاء والماء والعلاج الطبي والكهرباء في السجون الإسرائيلية([151]). وتوفي ستة معتقلين فلسطينيين من الضفة الغربية في السجون الإسرائيلية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، على وجه الخصوص([152]). وتم التحقيق مع 19 سجينًا إسرائيليًا لقيامهم بضرب الأسير ثائر أبو عصب حتى الموت في سجن كتسيعوت([153]).
38. منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، نفذت القوات الإسرائيلية غارات جوية وغارات عسكرية على مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، مما أسفر عن مقتل العديد من الفلسطينيين، وجرف الطرق، وفرض قيود شديدة على الحركة([154]). ووقع 236 هجومًا على “الرعاية الصحية” – بما في ذلك المستشفيات – في الضفة الغربية، حيث تحتجز القوات الإسرائيلية الطواقم الصحية وسيارات الإسعاف وتمنع سيارات الإسعاف من الوصول إلى الجرحى([155]). كما تصاعدت بشكل كبير هجمات المستوطنين الإسرائيليين المسلحة على الفلسطينيين؛ بدعم علني من السياسيين الإسرائيليين([156]). فالمستوطنون – الذين غالبًا ما يرافقهم جنود إسرائيليون – قتلت ما لا يقل عن ثمانية فلسطينيين وأصابت ما لا يقل عن 85 آخرين، مما أدى إلى بث الرعب في نفوس الفلسطينيين، وخاصة المجتمعات الزراعية، وإلحاق أضرار بالممتلكات([157]). وقد تم تهجير 2,186 فلسطينيًا في الضفة الغربية، بما في ذلك 1,058 طفلًا، منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 نتيجة للعنف الشديد الذي يمارسه المستوطنون الإسرائيليون، إلى جانب عمليات هدم المنازل العقابية أو الإدارية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي والأضرار التي لحقت بالمنازل أثناء الغارات والعمليات العسكرية الإسرائيلية([158]). وأشار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في ديسمبر/كانون الأول 2023 إلى أنه “يُسرّع التحقيقات” في هجمات المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية([159]).
39. إن الإجراءات التي تتخذها إسرائيل في الضفة الغربية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 – بما في ذلك دعمها للمستوطنين الإسرائيليين وعدم منعهم أو معاقبتهم بسبب التحريض والعنف ضد الفلسطينيين والممتلكات الفلسطينية، بما في ذلك طرد المجتمعات الفلسطينية الضعيفة من أراضيها – مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بتصرفات إسرائيل في غزة، وتوفير السياق الأقل أهمية لانتهاكات إسرائيل لاتفاقية الإبادة الجماعية.
3. الهجمات التي وقعت في إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023
40. تم شن الهجوم العسكري الإسرائيلي في غزة وحملتها العسكرية المشددة في الضفة الغربية ردًا على هجوم وقع في إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 (أطلق عليه اسم “عملية طوفان الأقصى”) شنته مجموعتان فلسطينيتان مسلحتان – الجناح العسكري لحركة حماس (كتائب عز الدين القسام) وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين. وأطلقت الجماعات وابلًا كبيرًا من الصواريخ باتجاه إسرائيل، واخترقت السياج الإسرائيلي الذي يحاصر غزة، وهاجمت قواعد عسكرية إسرائيلية وبلدات مدنية، بالإضافة إلى مهرجان موسيقي حضره آلاف الشباب، في ظروف يجري التحقيق فيها من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية([160]). وتدين جنوب أفريقيا بشكل لا لبس فيه استهداف المدنيين الإسرائيليين والأجانب من قبل حماس والجماعات الفلسطينية المسلحة الأخرى واحتجاز الرهائن في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، على النحو المسجل صراحة في مذكرتها الشفهية الموجهة إلى إسرائيل بتاريخ 21 كانون الأول/ديسمبر 2023.
41. منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، قُتل أكثر من 1200 إسرائيلي ومواطن أجنبي في إسرائيل، وفقًا للأرقام التي قدمتها السلطات الإسرائيلية، بما في ذلك 36 طفلاً، الغالبية العظمى منهم في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 نفسه([161]). وهناك ما يقرب من 240 مدني – ضمنهم العجائز والنساء والأطفال – والجنود الإسرائيليين تم احتجازهم كرهائن في غزة. ولم يتم إطلاق سراح سوى 110 منهم حتى الآن مقابل 240 فلسطينيًا – بما في ذلك كبار السن والنساء والأطفال – المسجونين أو “المحتجزين إداريًا” من قبل إسرائيل([162]).
ووردت تقارير أن 57 رهينة قتلوا في في القصف الإسرائيلي على غزة؛ وتأكد مقتل ثلاثة رهائن آخرين برصاص الجنود الإسرائيليين في غزة([163]). ويستمر إطلاق الصواريخ من غزة على الأراضي الإسرائيلية، مما أدى إلى الإخلاء المستمر لعشرات الآلاف من الإسرائيليين، لا سيما من المجتمعات المتاخمة للسياج الأمني مع غزة ولبنان([164]). وقد حذر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية من أن أخذ الرهائن “يمثل انتهاكًا خطيرًا لاتفاقيات جنيف”، وأخذ الأطفال واحتجازهم هو “انتهاك صارخ للمبادئ الأساسية للإنسانية”([165]). إن قراريْ الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم إي إس- 21/10 وإي إس- 22/10 (2023) يدينان أعمال العنف التي تستهدف المدنيين الإسرائيليين ويدعوان إلى إطلاق سراح جميع المدنيين المحتجزين بشكل غير قانوني([166]). ويدعو قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2712 (2023) أيضًا إلى “الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن الذين تحتجزهم حماس والجماعات الأخرى”([167]).
42. وردًّا على هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023؛ تعهدت إسرائيل بـ”سحق والقضاء على” حماس، و”تطهير القوات المعادية التي تسللت إلى أراضينا واستعادة الأمن”([168]). وفي 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي وأعلن أن “جيش الدفاع الإسرائيلي سيستخدم على الفور كل قوته لتدمير قدرات حماس، وسوف ندمرهم وسننتقم بقوة لهذا اليوم المظلم الذي فرضوه على دولة إسرائيل ومواطنيها”([169]). وفي 9 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أعلن رئيس الوزراء أن “إسرائيل في حالة حرب”([170]). وقد استند الرئيس إلى “الحق في الدفاع عن النفس” كمبرر للأنشطة العسكرية الإسرائيلية المستمرة في غزة([171]). وقد تمت الإشارة إلى تصعيد الأعمال العدائية بين إسرائيل وحماس، الذي أطلقت عليه إسرائيل اسم “سيوف الحرب الحديدية”، في وسائل الإعلام الغربية الدولية، والتعليق عليه باسم “الحرب بين إسرائيل وحماس”([172]).
ج. أعمال الإبادة الجماعية المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني
43. يقدم هذا القسم لمحة عامة عن الأعمال التي ارتكبتها إسرائيل والتي تعتبر ذات طابع إبادة جماعية، مع مراعاة طبيعتها ونطاقها وسياقها. هذه الأعمال مستمرة، ومستمرة في سياق الصراع، حيث تقوم إسرائيل عمدًا بفرض قطع الاتصالات السلكية واللاسلكية على غزة وتقييد وصول هيئات تقصي الحقائق([173]) ووسائل الإعلام الدولية([174]). وفي الوقت نفسه؛ يُقتل الصحفيون الفلسطينيون بمعدل أعلى بكثير من حدث في أي صراع خلال المائة عام الماضية. في الشهرين التاليين لـ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، تجاوز عدد الصحفيين الذين قُتلوا بالفعل عدد القتلى في الحرب العالمية الثانية بأكملها ([175]). سيتم تقديم مزيد من التفاصيل بشأن هذه الأعمال على مدار هذه الإجراءات. ومع ذلك، فإن المعلومات المتوفرة تثبت أن إسرائيل: (1) متورطة في قتل الفلسطينيين في غزة – بما في ذلك الأطفال الفلسطينيين – بأعداد كبيرة؛ (2) تتسبب في أذى جسدي وعقلي خطير للفلسطينيين في غزة، بما في ذلك الأطفال الفلسطينيين؛ وتفرض عليهم ظروف معيشية تهدف إلى تدميرهم كمجموعة. وتشمل هذه الشروط: (3) الطرد من المنازل والتهجير الجماعي، إلى جانب التدمير واسع النطاق للمنازل والمناطق السكنية؛ (4) الحرمان من الحصول على الغذاء والماء الكافي؛ (4) الحرمان من الحصول على الرعاية الطبية الكافية؛ (5) الحرمان من الوصول إلى المأوى الملائم والملابس والنظافة والصرف الصحي؛ (6) تدمير حياة الشعب الفلسطيني في غزة؛ (7) فرض إجراءات تهدف إلى منع الولادات الفلسطينية.
44. وقد وصف رؤساء الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر (“آي سي آر سي) – وهم ليسوا غرباء على حالات الصراع – ما يتكشف في غزة بأنه “أزمة إنسانية”([176]). “قدامى المحاربين في المجال الإنساني الذين خدموا في مناطق الحرب و الكوارث في جميع أنحاء العالم – الأشخاص الذين رأوا كل شيء – [يقولون] إنهم لم يروا شيئًا مثل ما يرونه اليوم في غزة “(الأمين العام للأمم المتحدة)([177]). هذا “فشل أخلاقي” يسبب “معاناة لا تطاق” (رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر)([178]). “هذا وضع مروع الآن، لأن هؤلاء هم بقايا أمة تُدفع إلى جيب في الجنوب” (وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ في الأمم المتحدة)([179]). ويصفون الفلسطينيون في غزة بأنهم “يعيشون في رعب مطلق ومعمق” بينما “يستمرون في التعرض للقصف الإسرائيلي بلا هوادة… ويعانون الموت والحصار والدمار والحرمان من الاحتياجات الإنسانية الأكثر أهمية مثل الغذاء والماء والإمدادات الطبية المنقذة للحياة وغيرها من الضروريات على الأرض على نطاق واسع؛ إنه أمر “مروع” (مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان)([180]). “إن شعبًا بأكمله يحاصَر ويتعرض للهجوم، ويحرم من الوصول إلى الضروريات اللازمة للبقاء على قيد الحياة، ويتعرض للقصف في منازلهم وملاجئهم ومستشفياتهم وأماكن العبادة” (مدراء اللجنة الدائمة المشتركة بين وكالات الأمم المتحدة)([181]). غزة هي “أخطر مكان في العالم يمكن العيش فيه الطفل” (المدير التنفيذي لمنظمة الأمم المتحدة الدولية للطفولة (اليونيسيف)([182]). “إنها جحيم حي”، وهي “حرب بكل صيغ التفضيل، كل شيء غير مسبوق” و”لقد نفدت منا الكلمات لوصف ما يجري” (المفوض العام للأونروا)([183]).
1. قتل الفلسطينيين في غزة
تفيد التقارير بأن أكثر من 21.110 فلسطينيًا قُتلوا منذ أن بدأت إسرائيل هجومها العسكري على غزة، وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية، ويُعتقد أن 70 بالمائة منهم على الأقل من النساء والأطفال([184]). وقد تم الإبلاغ عن وجود ما يقدر 7.780 شخصًا إضافيًا، من بينهم ما لا يقل عن 4700 امرأة وطفل في عداد المفقودين، ويُفترض أنهم لقوا حتفهم تحت أنقاض المباني المدمرة – أو يموتون ببطء – أو يتحللون في الشوارع حيث قُتلوا([185]). وقد أحال منع إسرائيل واردات الوقود الكافي، وتدمير البنية التحتية وانقطاع الاتصالات بشدة دون محاولات الإنقاذ. واعتبارًا من 8 كانون الأول/ ديسمبر 2023، أفادت التقارير أن مركبة إنقاذ واحدة فقط كانت تعمل في جميع أنحاء غزة؛ حيث أُجبر الناجون على محاولة التنقيب عن الناجين بأيديهم العارية([186]). إن مستوى القتل الإسرائيلي كان واسع النطاق لدرجة أنه يتم دفن الجثث في مقابر جماعية، وغالبًا ما تكون مجهولة الهوية([187]).
46. “ليس هناك مكان آمن في غزة”، كما أوضح الآن الأمين العام للأمم المتحدة – والعديد من خبراء الأمم المتحدة الآخرين – للمجتمع الدولي([188]). لقد قُتل الفلسطينيون في غزة في منازلهم، وفي الأماكن التي لجأوا إليها، وفي المستشفيات، وفي مدارس الأونروا، وفي الكنائس، وفي المساجد، وأثناء محاولتهم العثور على الغذاء والماء لعائلاتهم. لقد قُتلوا إذا فشلوا في الإخلاء، في الأماكن التي فروا إليها، وحتى أثناء محاولتهم الفرار على طول “الطرق الآمنة”([189]) التي أعلنتها إسرائيل. تتزايد التقارير عن قيام جنود إسرائيليين بتنفيذ عمليات إعدام بإجراءات موجزة، بما في ذلك إعدام عدة أفراد من نفس العائلة – رجال ونساء وكبار السن([190]). إحدى هذه الروايات هي التقارير التي تفيد بإعدام ما لا يقل عن 11 رجلًا من عائلة عنان وأقاربهم – صبية ورجال، في مدينة غزة – يُقال إن الجنود الإسرائيليين فصلوهم وأطلقوا النار أمام أسرهم – قبل مهاجمة النساء والأطفال([191]) وهناك أيضًا تقارير عن إطلاق النار على أشخاص عزل – بما في ذلك رهائن إسرائيليين – فور رؤيتهم، على الرغم من عدم تشكيل أي تهديد، بما في ذلك أثناء التلويح بالأعلام البيضاء([192]). وتسببت الهجمات على المنازل الفلسطينية والمجمعات السكنية في سقوط عدد كبير من القتلى([193])؛ حيث تفيد التقارير أن إسرائيل تستخدم الذكاء الاصطناعي لقصف ما يصل إلى 100 هدف يوميًا([194]).
47. ويقال إن إسرائيل تقوم بإسقاط قنابل “غبية” (أي غير موجهة) على غزة([195])، بالإضافة إلى قنابل ثقيلة يصل وزنها إلى 2000 رطل (900 كجم)([196])، والتي يتوقع أن يصل نصف قطرها المميت إلى “360 مترًا”. ومن المتوقع أن تتسبب في إصابات وأضرار بالغة على مسافة تصل إلى 800 متر من نقطة الارتطام ([197]). ويتم نشر هذه الأسلحة في واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم؛ حيث قُتل حتى الآن ما يقرب من واحد من كل 100 شخص. وقد أدت بعض الغارات الإسرائيلية على المنازل الفلسطينية ومخيمات اللاجئين إلى مقتل ما يصل إلى 110 فلسطينيين([198]). وفقدت ما يقدر بنحو 1,779 أسرة فلسطينية في غزة العديد من أفرادها، وقُتلت مئات الأسر متعددة الأجيال بأكملها، ولم يبق أي ناجين – أمهات وآباء والأطفال والأشقاء والأجداد والعمات وأبناء العمومة – غالبًا ما يُقتلون جميعًا معًا([199]). بحلول 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، فقدت 312 عائلة فلسطينية في غزة أكثر من 10 أفراد لكل منها([200]). وفقدت العديد من العائلات الفلسطينية ما يزيد عن 70 فردًا لكل منها([201]). ومستوى معدل الوفيات بين الأسر الفلسطينية كبير لدرجة أن الأطباء في غزة اضطروا إلى صياغة اختصار جديد: “WCNSF”، ويعني “طفل جريح، ولا توجد أسرة على قيد الحياة”([202]).
48. وبالنسبة للأطفال الفلسطينيين، على وجه الخصوص، يعتبر “الموت في كل مكان” و”لا يوجد مكان آمن”([203]). لقد قُتل ما يزيد على 7,729 طفلًا فلسطينيًا في غزة حتى الآن – أكثر من 115 طفلًا فلسطينيًا في غزة يُقتلون كل يوم([204]). وتشير التقديرات إلى أن عدد الأطفال الفلسطينيين الذين قُتلوا في الأسابيع الثلاثة الأولى في غزة وحدها (إجمالي 3,195 طفلًا) أكبر من إجمالي عدد الأطفال الذين قُتلوا كل عام في جميع أنحاء مناطق النزاع في العالم منذ عام 2019([205]). ويبلغ حجم جرائم قتل الأطفال الفلسطينيين في غزة لدرجة أن رؤساء الأمم المتحدة وصفوها بأنها “مقبرة للأطفال”([206]). وفي الواقع، فإن المعدل غير المسبوق للضحايا من الأطفال الفلسطينيين دفع المتحدث باسم اليونيسف إلى وصف الهجمات الإسرائيلية على غزة بأنها “حرب على الأطفال”؛ حيث أوضح:
“معظم الأزمات تؤثر على الأطفال بشكل رهيب لأن الأطفال هم الأكثر ضعفًا، ولكن معظمها يبلغ معدل الضحايا بين الأطفال حوالي 20 بالمائة. وفي هذا الصراع وصل إلى 40 بالمائة، أي يشكل ضعف عدد الأطفال الذين قتلوا في الصراعات التي شهدناها في آخر 15 أو 20 سنة، ولسوء الحظ فإن ذلك بسبب الكثافة السكانية الهائلة، والطبيعة العشوائية، وعندما نرى أنه لم يكن هناك مكان آمن حتى تلك التي يُطلق عليها المناطق الآمنة التي تتوفر فيها المياه والصرف الصحي للأطفال والفتيات الصغيرات. ويظهر نفس التجاهل للأطفال في عمليات القصف. ولهذا السبب نرى أن 40 بالمائة من الضحايا هم من الأطفال. ولهذا السبب هي حرب على الأطفال([207])
49 – ويتعرض الأطباء والصحفيون والمعلمون والأكاديميون وغيرهم من المهنيين للقتل بمعدلات غير مسبوقة على الإطلاق. حتى الآن، قتلت إسرائيل: أكثر من 311 طبيبًا وممرضًا وغيرهم من العاملين في مجال الصحة، بما في ذلك الأطباء وسائقي سيارات الإسعاف، الذين قُتلوا أثناء عملهم([208])؛ و103 صحفيين، وهو ما يصل إلى أكثر من صحفي واحد يوميًا([209])، وأكثر من 73 بالمائة من إجمالي عدد الصحفيين ومقتل العاملين في مجال الإعلام على مستوى العالم في عام 2023([210])، ومقتل 40 عاملًا في الدفاع المدني – المسؤولين عن المساعدة في انتشال الضحايا من تحت الأنقاض – أثناء أداء واجبهم، وأكثر من 209 معلمين وموظفين تعليميين([211]). كما قُتل 144 موظفًا في الأمم المتحدة، وهو “أكبر عدد من عمال الإغاثة الذين قُتلوا في تاريخ الأمم المتحدة في مثل هذا الوقت القصير”([212]). وتشير التقديرات إلى أن “انتشال رفات الناس من تحت الأنقاض سيستغرق سنوات”، وأن “العملية الفنية المكلفة لن تؤدي إلى التعرف على هوية كل جثة([213])”
50. وبالإضافة إلى القتل بالأسلحة الإسرائيلية، يتعرض الفلسطينيون في غزة أيضًا لخطر الموت المباشر بسبب الجوع والجفاف والمرض نتيجة للحصار المستمر الذي تفرضه إسرائيل.، وعدم السماح بوصول المساعدات الكافية إلى السكان الفلسطينيين، والصعوبات الشديدة في توزيع مثل هذه المساعدات المحدودة التي يُسمح بدخولها إلى القطاع بسبب تدمير البنية التحتية في غزة في الهجمات العسكرية الإسرائيلية([214])
2. التسبب في أضرار جسدية ونفسية جسيمة للفلسطينيين في غزة
51. أُصيب أكثر من 55,243 فلسطينيًا في الهجمات العسكرية الإسرائيلية على غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، معظمهم من النساء والأطفال([215]). وتحدث الإصابة الحروق وبتر الأطراف بشكل يومي([216])، وُيقدر أن 1000 طفل فقدوا إحدى ساقيهم أو كلتيهما([217]). وهناك تقارير عن قيام القوات الإسرائيلية باستخدام الفسفور الأبيض في مناطق مكتظة بالسكان في غزة: وكما تصف منظمة الصحة العالمية، فحتى الكميات الصغيرة من الفسفور الأبيض يمكن أن تسبب حروقًا عميقة وشديدة، تخترق حتى العظام، ويمكن أن تشتعل من جديد بعد العلاج الأولي([218]). ولا توجد مستشفيات عاملة في شمال غزة، على وجه الخصوص، بحيث يصبح المصابون في “انتظار الموت”، وغير قادرين على طلب الجراحة أو العلاج الطبي بما يتجاوز الإسعافات الأولية، ويموتون ببطء، ويموتون بشكل مؤلم بسبب إصاباتهم أو من الالتهابات الناتجة عنها ([219])
52 – كما تتسبب المستويات الشديدة للقصف وعدم وجود أي مناطق آمنة في حدوث صدمة نفسية شديدة لدى السكان الفلسطينيين في غزة([220]). وحتى قبل الهجوم الأخير، عانى الفلسطينيون في غزة من صدمة شديدة من الهجمات السابقة: فقد تعرض 80 بالمائة من الأطفال الفلسطينيين يعانون من مستويات أعلى من الاضطراب العاطفي، وما يدل عليه التبول اللاإرادي (79 بالمائة) والصمت التفاعلي (59 بالمائة)، والانخراط في إيذاء النفس (59 بالمائة)، والأفكار الانتحارية (55 بالمائة)([221]). إن أحد عشر أسبوعًا من القصف المستمر والتشريد والخسارة ستؤدي بالضرورة إلى زيادة أخرى في هذه الأرقام، لا سيما بالنسبة لما يقدر بعشرات الآلاف من الأطفال الفلسطينيين الذين فقدوا أحد والديهم على الأقل، وأولئك الذين هم الأعضاء الوحيدون الباقون على قيد الحياة في أسرهم ([222]). بالنسبة للعائلات التي تظل سليمة أو سليمة جزئيًا، “يتعلق الأمر ببذل كل ما في وسعك حتى لا يدرك طفلك أنك فقدت السيطرة ([223])
53- ومن المعروف بالفعل أن “التعرض المتكرر للصراع والعنف، بما في ذلك مشاهدة وتجربة هدم المساكن، إلى جانب الحصار الإسرائيلي لغزة منذ عام 2007” “ويرتبط بمستويات عالية من الضيق النفسي بين الفلسطينيين”([224]). في الواقع، أعرب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في القرار 2712 (2023) عن “قلقه العميق من أن انقطاع الوصول إلى التعليم له تأثير كبير على الأطفال، وأن الصراع له آثار مدى الحياة على صحتهم الجسدية والعقلية” ([225]). ويجب النظر إلى هذا الاضطراب و”أثره المأساوي” على الأطفال، على وجه الخصوص، في سياق عدد الطلاب والمعلمين الفلسطينيين الذين قتلوا (4,037 و209 على التوالي)، والجرحى (يقدر عددهم بـ 7,259)([226])، وععدد المدارس الفلسطينية التي تضررت أو دمرت (352، أو 74 بالمائة من المدارس في قطاع غزة بأكمله)([227]). ويقدر العاملون في المجال الطبي أن “الآثار الصحية على جميع الأطفال الفلسطينيين والنساء والرجال وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة والأشخاص ذوي الهويات المهمشة هائلة”([228]).  ووصفت منسقة الطوارئ لمنظمة أطباء بلا حدود التي تمت مقابلتها عند عودتها من غزة بعد خمسة أسابيع ما يلي:
“إنه في الواقع أسوأ مما يبدو. إنه لا يوجد شيء يضاهي مقدار المعاناة. فهو أمر لا يطاق حقًا. وأنا عاجزة عن الكلام عندما أحاول أن أفكر في مستقبل هؤلاء الأطفال. إن هناك أجيال من الأطفال الذين سيكونون معاقين، والذين سيصابون بصدمات نفسية. إن الأطفال المشاركين في برنامجنا للصحة العقلية يقولون لنا إنهم يفضلون الموت على الاستمرار في العيش في غزة الآن ([229])
54. إلى جانب حملتها العسكرية، قامت إسرائيل بتجريد الفلسطينيين في غزة من إنسانيتهم، من خلال معاملتهم القاسية واللاإنسانية والمهينة. وأفادت التقارير أنه تم اعتقال أعداد كبيرة من المدنيين الفلسطينيين، بما في ذلك الأطفال، وتعصيب أعينهم، وإجبارهم على خلع ملابسهم والبقاء في الخارج في الطقس البارد، قبل أن يتم إجبارهم على ركوب الشاحنات ونقلهم إلى أماكن مجهولة ([230]). واحتجزت القوات الإسرائيلية بشكل متكرر المسعفين الطبيين ومقدمي الإسعافات الأولية، على وجه الخصوص، واحتجزت العديد منهم بمعزل عن العالم الخارجي في أماكن مجهولة([231]). ويبدو أن مقاطع الفيديو التي نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية في يوم عيد الميلاد تُظهر مئات الفلسطينيين ، داخل ملعب اليرموك لكرة القدم في مدينة غزة، “بما في ذلك الأطفال وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة؛ حيث يجبرون على خلع ملابسهم باستثناء ملابسهم الداخلية في ظروف مهينة” ([232]). أفاد العديد من المعتقلين الفلسطينيين الذين تم إطلاق سراحهم أنهم تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة، بما في ذلك الحرمان من الغذاء والماء والمأوى والوصول إلى المراحيض([233]). وأفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (‘أوتشا’) “لقطات فيديو تظهر كدمات وحروق على أجساد المعتقلين”([234]). ويُقال إن صور الجثث المشوهة والمحترقة – إلى جانب مقاطع فيديو لهجمات مسلحة نفذها جنود إسرائيليون – والتي وُصفت بأنها “محتوى حصري من قطاع غزة”، يتم تداولها في إسرائيل عبر قناة على موقع التواصل الاجتماعي “تيليجرام” اسمها “72 عذراء – غير خاضعة للرقابة([235])”
3. الطرد الجماعي من المنازل وتهجير الفلسطينيين في غزة
55 – وتشير التقديرات إلى أن ما يزيد على 1.9 مليون فلسطيني من أصل سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة – أي ما يقرب من 85 بالمائة من السكان – قد أُجبروا على ترك منازلهم([236]). ولا يوجد مكان آمن لهم للفرار إليه، أما أولئك الذين لا يستطيعون المغادرة أو يرفضون النزوح فقد قُتلوا أو معرضون بشدة لخطر القتل في منازلهم.
56. وتصدر إسرائيل بشكل متكرر “أوامر الإخلاء” التي تطالب المدنيين الفلسطينيين في مناطق معينة من غزة بمغادرة منازلهم إلى مناطق أخرى. وطالب الأمر الأول، الذي صدر في 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بأن ينتقل 1.1 مليون فلسطيني يعيشون أو يتواجدون في شمال غزة، بما في ذلك مدينة غزة، إلى جنوب غزة في غضون 24 ساعة([237]). وحذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أن تعليمات الإخلاء، التي تؤثر على حوالي 36 بالمائة من أراضي غزة – بالإضافة إلى الحصار الكامل لغزة – لا تتوافق مع القانون الإنساني الدولي([238]). وحذرت منظمة الصحة العالمية من أنها “قد تكون بمثابة حكم بالإعدام” على مرضى المستشفيات([239]). ومع ذلك، تم الاستمرار في تنفيذ عملية الإخلاء وأعيد إصدارها في عدد من المناسبات، بما في ذلك في 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2023([240])، قبل الإعلان الإسرائيلي عن العمليات البرية في شمال غزة، ومرة أخرى بعد ذلك. كما أصدرت إسرائيل إخطارات إخلاء أكثر تحديدًا، وأمرت الناس في أجزاء معينة من مدينة غزة بالإخلاء إلى أجزاء أخرى([241]). وكثيرون ممن لا يرغبون في الإخلاء أو غير قادرين على ذلك يتعرضون للقصف في منازلهم([242]).
57. لقد تم حث الفلسطينيين الفارين من الشمال عملًا بأوامر الإخلاء الإسرائيلية على التحرك جنوبًا على طول شريان المرور الرئيسي في غزة، طريق صلاح الدين، في أيام معينة، خلال ساعات معينة. ومع ذلك، فقد تم الإبلاغ عن العديد من حالات القصف على طول الطرق وغيرها من أعمال العنف التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين الذين تم إجلاؤهم، بما في ذلك المعاملة اللاإنسانية والمهينة، والاعتقالات التعسفية، والاحتجاز غير القانوني، والقتل([243]). وواصلت إسرائيل أيضًا قصف جنوب وادي غزة طوال الوقت هذه المرة، مما أدى إلى مقتل العديد من الفلسطينيين الذين تم إجلاؤهم([244])، مما دفع في البداية العديد من العائلات الفلسطينية إلى السعي للعودة شمالًا على الأقل لخطر التعرض للقصف في المنطقة المألوفة لمنازلهم([245]). وبعض أولئك الذين حاولوا العودة شمالًا أثناء الهدنة المؤقتة للأعمال القتالية بين إسرائيل وحماس، تعرضوا لإطلاق النار من قبل القوات الإسرائيلية، مما أدى إلى مقتل شخصين على الأقل وإصابة آخرين ([246]).
58. وفي 1 كانون الأول/ ديسمبر 2023 – أي في نهاية الهدنة المؤقتة التي استمرت ثمانية أيام بين إسرائيل وحماس – وبدأت إسرائيل بإلقاء منشورات تحث الفلسطينيين على مغادرة المناطق في الجنوب التي طُلب منهم في السابق الفرار إليها – وهي منطقة تشكل حوالي 30 بالمائة من غزة([247]). وكما ذكر مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحقوق الإنسان للمشردين داخليًا؛ فإن “إسرائيل تراجعت عن وعودها بتوفير السلامة لأولئك الذين امتثلوا لأوامرها بإخلاء شمال غزة قبل شهرين. والآن، تم تهجيرهم قسرًا مرة أخرى، إلى جانب سكان جنوب قطاع غزة”([248]). ونشرت إسرائيل أيضًا خريطة تفصيلية على الإنترنت، تقسم قطاع غزة إلى مئات المناطق الصغيرة([249]). وكان الهدف من الخريطة ظاهريًا هو تقديم إشعار للأوامر الإسرائيلية بإخلاء المناطق الفردية قبل الضربات الجوية المخطط لها. ومع ذلك، كما أشار مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، فإن “المنشور لا يحدد المكان الذي يجب أن يتم إجلاء الأشخاص إليه”. علاوة على ذلك، بعد أشهر من القصف – وسط انقطاع التيار الكهربائي المستمر الذي تفرضه إسرائيل منذ 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والانقطاع المنتظم للاتصالات السلكية واللاسلكية([250])- لا يحصل معظم الفلسطينيين في غزة على سوى قدر ضئيل من الكهرباء لشحن الهواتف أو الأجهزة الأخرى، ولا توجد طريقة موثوقة للوصول إلى الخرائط الرقمية([251]) وقد لاحظ الأمين العام للأمم المتحدة أن “شعب غزة يُطلب منه أن يتحرك مثل الكرات البشرية – يرتد بين شظايا الجنوب الأصغر من أي وقت مضى، دون أي من أساسيات البقاء على قيد الحياة”([252])
58- في 1 (كانون الأول / ديسمبر) 2023 – نهاية الهدنة المؤقتة التي دامت ثمانية أيام بين إسرائيل وحماس – بدأت إسرائيل بإسقاط منشورات تحث الفلسطينيين على مغادرة المناطق في الجنوب التي كان قد طُلب منهم اللجوء إليها سابقًا – وهي منطقة تشكل حوالي 30 في المئة من غزة. وكما ذكر المقرر الخاص للأمم المتحدة حول حقوق الإنسان للأشخاص النازحين داخليا، “لقد تراجعت إسرائيل عن وعود الأمان التي قدمتها لأولئك الذين استجابوا لأمرها بإخلاء شمال غزة قبل شهرين. الآن، تم تشريدهم قسراً مرة أخرى، إلى جانب سكان جنوب غزة”. كما نشرت إسرائيل خريطة مفصلة على الإنترنت، تقسم قطاع غزة إلى مئات المناطق الصغيرة. وكانت الخريطة معدة على ما يبدو لتقديم إشعارات حول أوامر إسرائيلية بإخلاء مناطق معينة قبل الغارات الجوية المخطط لها. ومع ذلك، كما لاحظ مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، “لا تحدد النشرة المناطق التي ينبغي للناس الإخلاء إليها”. وبعد شهور من القصف – وسط الانقطاع المستمر للكهرباء الذي فرضته إسرائيل منذ 11 (تشرين الأول/ أكتوبر) 2023 وانقطاعات منتظمة للاتصالات – يعاني معظم الفلسطينيين في غزة من قلة الوصول إلى الكهرباء لشحن الهواتف أو الأجهزة الأخرى ولا يوجد لديهم طريقة موثوقة للوصول إلى الخريطة. وقد أشار الأمين العام للأمم المتحدة إلى أن “أهل غزة يُطلب منهم التنقل ككرات بشرية – ترتد بين شرائح أصغر وأصغر من الجنوب، بدون أي من الأساسيات للبقاء على قيد الحياة”.
59. الفلسطينيون ليسوا في أمان، حتى في تلك “الشرائح الصغيرة”: كما يكرر مسؤولو الأمم المتحدة. “لا مكان آمن”([253])، “لا مكان آمن للذهاب إليه”([254]). طلب مدير شؤون الأونروا في غزة أن “الأشخاص في غزة هم بشر… ليسوا قطعًا على لوحة شطرنج – العديد منهم تم تهجيرهم عدة مرات بالفعل. يأمر الجيش الإسرائيلي فقط الناس بالتحرك إلى مناطق حيث توجد ضربات جوية مستمرة”([255]). هذا يخلق الرعب([256]). كما أن الزيادة في كثافة السكان نتيجة لأوامر الإخلاء تجعل الضربات الإسرائيلية أكثر فتكًا. في ليلة عيد الميلاد نفسها، قصف الجيش الإسرائيلي مخيم اللاجئين المغازي في المنطقة الوسطى – منطقة هرب إليها عشرات الآلاف من الفلسطينيين من الشمال – مما أدى إلى مقتل حوالي 86 شخصًا، بمن فيهم العديد من النساء والأطفال، وإصابة العديد من الآخرين([257]). أعرب المتحدث باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان عن “قلقهم البالغ” من أن “هذا القصف العنيف الأخير يأتي بعد أن أمرت القوات الإسرائيلية سكان جنوب وادي غزة بالتحرك إلى وسط غزة”([258]).
60. بالنسبة للعديد من الفلسطينيين، الإخلاء القسري من منازلهم هو بالضرورة دائم. لقد أتلفت إسرائيل الآن أو دمرت ما يقدر بـ 355,000 منزل فلسطيني – وهو ما يمثل 60 في المئة من إجمالي السكن في غزة. كانت درجة الدمار في شمال غزة، على وجه الخصوص، قد جعلتها غير قابلة للسكن إلى حد كبير، مع وصول الدمار في الجنوب إلى مستوى مشابه. كما ذكر المقرر الخاص بحقوق الإنسان للأشخاص المشردين داخليًا، “تم تدمير مساكن غزة وبنيتها التحتية المدنية تمامًا، مما يحبط أي آفاق واقعية لعودة الغزاويين المشردين إلى منازلهم، مكررًا تاريخًا طويلًا من التهجير القسري الجماعي للفلسطينيين من قبل إسرائيل”([259]). النزوح القسري في غزة إبادة جماعية، حيث يحدث في ظروف محسوبة لإحداث الدمار الجسدي للفلسطينيين في غزة([260]).
4. حرمان الفلسطينيين في غزة من الوصول إلى الغذاء والماء الكافي
61- في 9 (تشرين الأول/ أكتوبر) 2023، أعلنت إسرائيل “حصارًا كاملاً” على غزة، مانعة دخول الكهرباء والطعام والماء والوقود إلى القطاع([261]). ورغم أن الحصار قد تم تخفيفه جزئيًا منذ ذلك الحين، مع السماح بدخول بعض شاحنات المساعدة منذ 21 (تشرين الأول/ أكتوبر) 2023، إلا أن ذلك يظل غير كافٍ بشكل كامل، ويقل كثيرًا عن متوسط ما قبل أكتوبر 2023 الذي يقارب 500 شاحنة في اليوم([262]). علاوة على ذلك، فإن واردات الوقود – التي سمح بها منذ 21 (تشرين الثاني / نوفمبر) 2023 – هي “أقل بكثير من الاحتياجات الدنيا للعمليات الإنسانية الأساسية”([263])، مما يعني أن المساعدات الإنسانية المحدودة التي يُسمح بإدخالها لا يمكن نقلها بسهولة حول غزة بعيدًا عن نقاط الدخول([264]). وكما قيم الأمين العام للأمم المتحدة، فإن مستوى الدمار في غزة الآن كارثي لدرجة أن “ظروف تقديم المساعدات الإنسانية الفعالة لم تعد موجودة… ولكن حتى لو تم السماح بدخول ما يكفي من المؤن إلى غزة، فإن القصف الشديد والأعمال العدائية والقيود الإسرائيلية على الحركة ونقص الوقود وانقطاع الاتصالات، يجعل من المستحيل على وكالات الأمم المتحدة وشركائها الوصول إلى معظم الأشخاص المحتاجين”([265]).
62- في ضوء ذلك، تُعتبر قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2720 بتاريخ 22 (كانون الأول/ ديسمبر) 2023 على نطاق واسع بأنه غير فعّال، على الرغم من مطالبته بأن “تسمح أطراف النزاع وتيسر استخدام جميع الطرق المتاحة إلى وعبر قطاع غزة بأكمله، بما في ذلك المعابر الحدودية” وتطلب “أن يقوم المنسق بإنشاء آلية تابعة للأمم المتحدة بشكل سريع لتسريع تقديم شحنات الإغاثة الإنسانية”([266]). وذلك لأن القرار المخفف لا يعالج بشكل صحيح “العناصر الأربعة” التي حددها الأمين العام للأمم المتحدة كضرورية للسماح بتقديم مساعدة فعالة، قادرة على مساعدة الفلسطينيين في غزة: (1) الأمن (“نحن نقدم مساعدة في منطقة حرب. القصف الإسرائيلي الشديد والقتال النشط في مناطق حضرية مكتظة بالسكان في غزة يهدد حياة المدنيين وعمال الإغاثة الإنسانية على حد سواء”)؛ (2) الموظفين (“تتطلب العملية الإنسانية موظفين يمكنهم العيش والعمل بأمان. لقد قُتل 136 من زملائنا في غزة خلال 75 يومًا – شيء لم نره أبدًا في تاريخ الأمم المتحدة … في هذه الظروف الرهيبة، يمكنهم فقط تلبية جزء بسيط من الاحتياجات”)؛ (3) اللوجستيات (“تم تدمير العديد من مركباتنا وشاحناتنا أو تركها خلفنا بعد إجلائنا القسري والعجلي من الشمال، ولكن السلطات الإسرائيلية لم تسمح بتشغيل أي شاحنات إضافية في غزة. هذا يعيق بشكل كبير عملية الإغاثة. توصيل الإمدادات في الشمال خطير للغاية بسبب النزاع النشط والذخائر غير المنفجرة والطرق التي تضررت بشدة. في كل مكان، تجعل الانقطاعات المتكررة للاتصالات من المستحيل تقريبًا تنسيق توزيع المساعدات، وإعلام الناس بكيفية الوصول إليها”)؛ (4) استئناف الأنشطة التجارية (“الرفوف فارغة؛ المحافظ فارغة؛ البطون فارغة. يعمل مخبز واحد فقط في كل غزة. أحث السلطات الإسرائيلية على رفع القيود عن النشاط التجاري فورًا. نحن مستعدون لتكثيف دعمنا النقدي للعائلات الضعيفة – أكثر أشكال المساعدة الإنسانية فعالية. ولكن في غزة، لا يوجد الكثير لشرائه”)([267]). مع مراعاة تلك العوامل، كان واضحًا للأمين العام أن التركيز على عدد الشاحنات المسموح بها يوميًا في غزة كان مضللاً: “يقيس الكثير من الناس فعالية عملية الإغاثة الإنسانية في غزة استنادًا إلى عدد الشاحنات التي تسمح الهلال الأحمر المصري والأمم المتحدة وشركاؤنا بتفريغ الإغاثة عبر الحدود. هذا خطأ. المشكلة الحقيقية هي أن طريقة إسرائيل في تنفيذ هذا الهجوم تخلق عوائق هائلة أمام توزيع المساعدات الإنسانية داخل غزة”([268]).
63- لهذا السبب تم وصف قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2720 – الذي لم يعالج بشكل صحيح الوضع على أرض الواقع، بما في ذلك عدم الدعوة إلى وقف إطلاق النار – بأنه “ضوء أخضر لاستمرار الإبادة الجماعية”، مع “تجاهل شامل للقانون الإنساني الدولي”([269]). وقد وصفت أوكسفام “فشل الدعوة إلى وقف إطلاق النار” في القرار بأنه “غير مفهوم وقاسٍ تمامًا” بالإضافة إلى كونه “إهمالًا جسيمًا للواجب” من جانب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة([270])، مع الأخذ في الاعتبار الخطورة الشديدة للوضع في غزة.
64- قامت إسرائيل الآن بدفع السكان الفلسطينيين في غزة إلى حافة المجاعة، مع تحذير الوكالات الدولية من أن “خطر المجاعة حقيقي” (برنامج الغذاء العالمي أو ‘WFP’) وأنه “يزداد كل يوم”([271]). بحسب التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي IPC فان أغلب الشعب الفلسطيني في غزة يتضور جوعًا الآن، ومستويات الجوع ترتفع يوميًا([272]). تحذر منظمة الصحة العالمية من أن “الجوع يدمر غزة”([273]). كما ذكر الأمين العام للأمم المتحدة، “أربعة من كل خمسة من أكثر الأشخاص جوعًا في العالم يتواجدون في غزة”([274])، حيث يواجه الفلسطينيون في غزة أعلى مستويات الأمن الغذائي الحاد التي تم تصنيفها من قبل التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي([275]). يصف المفوض العام للأونروا الأشخاص بأنهم “يائسون وجائعون ومرعوبون”، والذين يوقفون الآن شاحنات الإغاثة ويأخذون الطعام ويأكلونه فورًا([276]). صرحت منظمة الصحة العالمية بأن “نسبة غير مسبوقة تبلغ 93٪ من سكان غزة يواجهون مستويات أزمة من الجوع، مع عدم كفاية الغذاء ومستويات عالية من سوء التغذية”. وتقول إن “واحد على الأقل من كل أربع أسر تواجه ‘ظروفًا كارثية’: تعاني من نقص شديد في الغذاء والجوع وقد اضطرت لبيع ممتلكاتها واتخاذ إجراءات متطرفة أخرى لتحمل تكلفة وجبة بسيطة”. وتحذر من أن “الجوع والعوز والموت واضحة”([277])، وتصف أفعال إسرائيل في قطع الماء والغذاء وكل ما هو ضروري لأي نوع من الحياة عن غزة بأنها “حملة قاسية” تُشن “ضد كل سكان غزة”([278]). وقد أوضح منسق فرق الطب الطارئ أن “كل شخص واحد” يتحدث معه يشعر بالجوع: “أينما نذهب، يطلب الناس منا الطعام حتى في المستشفى، مشيت في قسم الطوارئ، شخص مع جرح مفتوح ونزيف، كسر مفتوح؛ سألوا عن الطعام. إذا لم يكن ذلك مؤشرًا على اليأس، فلا أدري ما هو”([279]). الوضع بحيث شعر المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان بالحاجة إلى التحذير من أن “المجاعة لا يجب أن تكون وسيلة أو نتيجة للحرب”([280]). لقد ذهبت أوكسفام ومنظمة هيومن رايتس ووتش إلى أبعد من ذلك في اتهامهم الصريح لإسرائيل باستخدام الجوع “كسلاح حرب” ضد الشعب الفلسطيني في غزة([281]).
65- تفاقمت الظروف التي خلقها الحصار بسبب استمرار الضربات الإسرائيلية على غزة، بما في ذلك على مخابزها ومنشآت المياه والطاحونة الوحيدة المتبقية التي تعمل، وتسويتها للأراضي الزراعية والمحاصيل والبساتين والصوبات الزراعية([282]). بحلول 16 (تشرين الثاني / نوفمبر ) 2023، كان يعتبر بنية الغذاء في غزة “غير فعالة” بالفعل، نظرًا لإغلاق المتاجر والأسواق، ونقص العناصر الغذائية الأساسية، وارتفاع أسعار الأغذية المتوفرة القليلة([283]). الخبز نادر أو غير موجود([284])، مع قيادة نقص الغذاء إلى ارتفاعات كبيرة في الأسعار، وارتفاع سعر الدقيق بنسبة 65 في المئة في مرحلة ما([285]). المواشي التي لم تُقتل تواجه المجاعة، والمحاصيل تضررت أو دُمرت([286]). يلجأ العديد من الفلسطينيين إلى البحث عن الطعام بسبب الجوع، جمع الدقيق المتساقط من توزيعات الإغاثة من الطريق، أو ممارسات غذائية غير آمنة أخرى([287]).
66- أيضاً، المياه منخفضة بشكل كبير. تستمر إسرائيل في قطع المياه الموصلة إلى شمال غزة([288])، ومحطة تحلية المياه في الشمال لا تعمل([289]). منذ 15 (تشرين الأول/ أكتوبر) 2023، بدأت إسرائيل بتوصيل كمية صغيرة من المياه إلى الجنوب، جزئيًا لـ “دفع السكان المدنيين إلى الجزء الجنوبي من القطاع”([290]). أدى الضرر من الغارات الجوية الإسرائيلية والقصف أيضًا إلى جعل معظم نظام المياه لا يعمل([291]). أفاد برنامج الغذاء العالمي بأنه يوجد فقط 1.5 إلى 1.8 لتر من المياه النظيفة متاحة للشخص الواحد في اليوم لجميع الاستخدامات (الشرب، الغسل، تحضير الطعام، الصرف الصحي والنظافة)([292]). هذا أقل بكثير من ‘العتبة الطارئة’ التي تبلغ 15 لترًا في اليوم لـ “ظروف الحرب أو المجاعة”، أو ‘عتبة البقاء على قيد الحياة’ التي تبلغ 3 لترات في اليوم([293]). وصف منسق فرق الطب الطارئ في منظمة الصحة العالمية المشهد في مستشفى الأهلي العربي، حيث يكافح الطاقم الطبي مع “عدم وجود طعام أو وقود أو ماء”، قائلاً إن “المكان يبدو الآن أشبه بدار رعاية من مستشفى. لكن دار الرعاية توحي بمستوى من الرعاية لا يستطيع الأطباء والممرضون تقديمه… من الصعب تحمل رؤية شخص مع جبائر على أطراف متعددة، جهاز تثبيت خارجي على أطراف متعددة، بدون ماء للشرب ولا تقريباً سوائل وريدية متاحة”. وقال إن “المرضى كانوا يصرخون من الألم، ولكنهم كانوا أيضًا يصرخون لنا لنعطيهم ماء”. وحث على أن “الوقت هو الآن. نحن نتعامل مع أشخاص جوعى الآن، بالغين، أطفال، الأمر لا يطاق”([294]).
67. يؤثر نقص المياه بشكل خطير على النساء المرضعات، بشكل خاص، اللواتي حتى لو كن يقمن بكمية معتدلة من التمارين، يحتجن إلى 7.5 لتر من المياه يومياً للشرب، الصرف الصحي والنظافة للحفاظ على صحتهن وصحة أطفالهن([295]). الأمهات الشابات – اللواتي لا يستطعن الرضاعة الطبيعية بسبب نقص التغذية الناتج عن ندرة الغذاء – أُجبرن على استخدام مياه ملوثة لتحضير الحليب الصناعي – حيثما توفر – مما يعرض الأطفال الضعفاء للخطر من الأمراض. بالتوازي، يعرض النقص المزمن للحليب الصناعي أيضًا حياة الرضع حديثي الولادة للخطر، والذين يُقال إنهم يموتون بالفعل من أسباب يمكن تجنبها بسبب غياب الرعاية الطبية، الغذاء، الماء والصرف الصحي الكافي([296]). قد تكون تأثيرات سوء التغذية على الأطفال الأكبر سنًا خطيرة بشكل خاص وطويلة الأمد، مما يمنعهم من الوصول إلى إمكاناتهم الكاملة من حيث النمو الجسدي والقدرة الإدراكية، الأداء المدرسي والإنتاجية في وقت لاحق من الحياة([297]). ويفتقر العديد من العاملين في مجال الصحة أيضًا إلى ما يكفي من الغذاء والماء لمواصلة العمل، الأمر الذي سيزيد بالضرورة من التأثير على معدلات الصحة والوفيات([298]).
– كل هذا يحدث لسكان كانوا بالفعل في حالة ضعف شديدة نتيجة للأعمال السابقة التي قامت بها إسرائيل ضد غزة. طالما عرقلت إسرائيل إنشاء وإصلاح محطات تحلية المياه في غزة، بحيث كان 95 في المئة من المياه من الخزان الجوفي الوحيد في غزة غير صالح للاستهلاك قبل 7 أكتوبر 2023([299]). من خلال حصارها الذي دام 16 عامًا، أثرت إسرائيل أيضًا بشكل كبير على إمدادات المياه([300]). هجماتها المتكررة على غزة وقيودها على إصلاح البنية التحتية المتدهورة لمياه الصرف الصحي أضرت بالتربة، مما جعل الزراعة تحديًا([301]). كما قيدت إسرائيل وصول الفلسطينيين في غزة إلى ما يصل إلى 35 في المئة من الأراضي الزراعية وما يصل إلى 85 في المئة من مياه الصيد في غزة([302]). ونتيجة لذلك، كان أكثر من 68 في المئة من الأسر (حوالي 1.3 مليون شخص) يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد أو المتوسط قبل 7 أكتوبر 2023، حيث كان 58 في المئة من السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية([303]). كان هناك 7,685 طفل دون سن الخامسة في غزة يعانون من ‘الهزال’ المهدد للحياة، وهو أخطر أشكال سوء تغذية الأطفال([304]). سيكون لتأثير إسرائيل على أطفال فلسطين نتيجة تجويع غزة بالقوة آثار خطيرة وطويلة الأمد.
69- تثير التقارير الأخيرة عن خطط إسرائيلية لإغراق أنفاق في غزة بمياه البحر قلقًا شديدًا، نظرًا للمخاطر التي قد تشكلها من التدهور والانهيار الإضافي لبنية غزة المائية والصرف الصحي، وتلوث طويل الأمد للخزان الجوفي والتربة في غزة([305]). حذر خبراء البيئة من أن الاستراتيجية “تخاطر بإحداث كارثة بيئية” من شأنها أن تجعل غزة بدون مياه صالحة للشرب، وتدمر القليل مما يمكن أن يكون ممكنًا من الزراعة و”تدمير شروط الحياة لكل شخص في غزة”([306]). قيل إن المقرر الخاص للأمم المتحدة للحق في المياه قارن الخطة بالأسطورة الرومانية ‘ملح الحقول’ في قرطاج لمنع نمو المحاصيل وجعل الأرض غير صالحة للسكن([307]).
70- يتوقع الخبراء الآن أن يموت المزيد من الفلسطينيين في غزة من الجوع والأمراض أكثر من الغارات الجوية([308])). ومع ذلك، تكثف إسرائيل حملتها القصفية، مانعة توصيل المساعدات الإنسانية الفعالة إلى الفلسطينيين. من الواضح أن إسرائيل من خلال أفعالها وسياساتها في غزة، تلحق عمداً بالفلسطينيين ظروف حياة محسوبة لإحداث دمارهم([309]).
5. حرمان الفلسطينيين في غزة من الوصول إلى مأوى وملابس ونظافة وصحة صحية كافية
71- معظم الـ1.9 مليون فلسطيني نازح في غزة يبحثون عن مأوى في مرافق الأونروا، التي تتكون أساسًا من المدارس والخيام([310]). هذه الأماكن نفسها ليست آمنة: حتى الآن – وعلى الرغم من أن إسرائيل تم تزويدها بإحداثيات جميع مرافق الأمم المتحدة([311]) – قتلت إسرائيل مئات الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين الذين يبحثون عن مأوى في مرافق الأونروا، وأصابت أكثر من ألف([312]).
72. وصف المفوض العام للأونروا الوضع في ملاجئ الأونروا كما يلي في رسالته بتاريخ 7 (كانون الأول / ديسمبر) 2023 التي أخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة علمًا بها في قرارها رقم 10/22 اي اس بتاريخ 12 (كانون الأول / ديسمبر) 2023: “اليوم،  نتيجة للعملية العسكرية الإسرائيلية، يأوي ما يقرب من 1.2 مليون مدني في مقرات الأونروا. أصبحت الوكالة الآن المنصة الأساسية للمساعدة الإنسانية لأكثر من 2.2 مليون شخص في غزة – منصة على وشك الانهيار. الأونروا، حتى اليوم، لا تزال تعمل في غزة، ولكن بالكاد. يستمر موظفونا في تشغيل مراكز الصحة، وإدارة الملاجئ، ودعم الأشخاص المتأثرين بالصدمات، بعضهم يصل حاملاً أطفالهم المتوفين. ما زلنا نوزع الطعام، على الرغم من أن الممرات والساحات في مقراتنا مزدحمة جدًا للمرور. يأخذ موظفونا أطفالهم إلى العمل حتى يعرفوا أنهم في أمان أو يمكنهم الموت معًا. أكثر من 130 موظفًا من الأونروا مؤكد مقتلهم في القصف، معظمهم مع عائلاتهم؛ قد يرتفع العدد بحلول الوقت الذي تقرأ فيه هذا. يتم تشريد ما لا يقل عن 70٪ من موظفي الأونروا، ويفتقرون إلى الغذاء والماء والمأوى الكافي. نحن نتشبث بأطراف أصابعنا. إذا انهارت الأونروا، ستنهار أيضًا المساعدة الإنسانية في غزة. الوضع الإنساني الآن لا يمكن الدفاع عنه. كانت الأوضاع في غزة مروعة بالفعل عندما بت ليلة هناك قبل أسبوعين. شهدت القذائف الانفجارية المستمرة من السماء والأرض والبحر، والدمار الهائل للبنية التحتية المدنية.”
هذا الأسبوع، أمرت القوات العسكرية الإسرائيلية الناس بالتحرك أكثر نحو الجنوب، مما يجبر سكان غزة على الانضغاط في مساحة متقلصة باستمرار. الملاجئ مكتظة بشكل صادم، مع مخاطر عالية للأمراض الوبائية. في هذه الأماكن المكتظة وغير الصحية، يستخدم أكثر من 700 شخص مرحاضًا واحدًا، النساء يلدن (بمعدل 25 ولادة في اليوم)، والناس يعتنون بالجروح المفتوحة. عشرات الآلاف ينامون في الساحات والشوارع. يحرق الناس البلاستيك للتدفئة. تأثرت نحو 90 مقراً للأونروا، بما في ذلك المدارس، بالذخائر، مما أسفر عن مقتل أكثر من 270 شخصًا نازحًا داخليًا، العديد منهم هذا الأسبوع. في غزة ككل، أبلغ عن مقتل أكثر من 16,000 شخص، ثلثيهم من النساء والأطفال، خلال القصف. تدمرت مناطق واسعة من غزة وأصبحت غير صالحة للسكن. المبدأ التأسيسي لتفويض الأونروا – توفير الخدمات للاجئين الفلسطينيين حتى يكون هناك حل سياسي – في خطر كبير: بدون مأوى آمن ومساعدة، يواجه المدنيون في غزة خطر الموت أو يجبرون على الانتقال إلى مصر وما بعدها. النزوح القسري خارج غزة قد ينهي آفاق الحل السياسي الذي هو جزء لا يتجزأ من تفويض الأونروا، مع مخاطر خطيرة للسلام والأمن الإقليمي. يجب منع النزوح القسري خارج الأراضي الفلسطينية، وهو ما يذكر بنكبة 1948. في 35 عامًا من عملي في حالات الطوارئ المعقدة، لم أكتب مثل هذه الرسالة من قبل – تتوقع مقتل موظفي وانهيار التفويض الذي يتوقع مني الوفاء به”([313]).
73. يعتبر الفلسطينيون الذين لديهم مكان في ملاجئ الأونروا “محظوظين”، وفقًا للمفوض العام للأونروا ([314]). يحاول الآخرون العثور على مأوى في منازل الأقارب أو الغرباء، في مرافق حكومية، ساحات المستشفيات، أو مخيمات مؤقتة، دون أي وصول إلى الطعام، الماء أو المرافق الصحية، أو يعيشون ببساطة وينامون في الشوارع، معرضين للعناصر. تحتوي ملاجئ الأونروا الآن في المتوسط على 486 شخصًا يستخدمون مرحاضًا واحدًا([315])، بينما في أماكن أخرى حيث يحاول الناس العثور على مأوى غالبًا لا توجد مراحيض على الإطلاق([316]). يعجز الفلسطينيون عن الحفاظ على نظافتهم الشخصية، حيث تتأثر الفتيات والنساء الحائضات بشكل خاص([317]). تقدر منظمة الصحة العالمية أن هناك في المتوسط “دش واحد فقط لكل 4500 شخص”([318]). يُقال إن الرضع في الملاجئ يموتون من أسباب يمكن تجنبها بسبب عدم وجود الصرف الصحي والطعام والماء والرعاية الطبية الكافية([319]).
74. منذ أن كتب المفوض العام للأونروا إلى رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة في 7 ديسمبر 2023، مشيرًا إلى أن الوضع الإنساني في غزة كان “لا يمكن الدفاع عنه”([320])، واصل أكثر من مليون فلسطيني النزوح القسري بأوامر عسكرية إسرائيلية إلى محافظة رفح بالقرب من الحدود المصرية. أصبحت المنطقة “مركز النزوح”، مع زيادة مقدرة “أربعة أضعاف” في كثافة السكان، يُعتقد أنها تتجاوز الآن 12,000 شخص لكل كيلومتر مربع ([321]). يحذر OCHA مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية من أنه “لم يعد هناك مكان فارغ للأشخاص للبحث عن مأوى، حتى في الشوارع والمناطق المفتوحة الأخرى”([322]).
المواصي – شريط رملي قاحل يبلغ حوالي 14 كيلومترًا مربعًا على طول البحر الأبيض المتوسط، بدون مؤن إغاثة، ماء، طعام أو صرف صحي – ما يسمى بـ ‘المنطقة الآمنة’ التي أخبرت إسرائيل الفلسطينيين في غزة بالفرار إليها، ليست آمنة على الإطلاق. كما أكدت الأونروا “المناطق الآمنة المعلنة من جانب واحد ليست آمنة على الإطلاق. لا مكان في غزة آمن”([323]). حذر رئيس السياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفل الدولية: “الناس في ملاجئ مكتظة في خيام مؤقتة. لا يوجد وصول إلى ماء نظيف، هناك منشآت صرف صحي متهالكة. سمعنا عن أطفال يتضورون جوعًا في ما يسمى بـ ‘المنطقة الآمنة’ للمواصي”([324]).
75. في جميع أنحاء غزة، هناك نقص حاد في الملابس الدافئة والفراش والبطانيات والأشياء الحرجة غير الغذائية، مع اعتماد الناس بشكل كبير على الخشب المستعاد والنفايات للطهي والتدفئة، مما يزيد من خطر الأمراض التنفسية ([325]). هناك أيضًا نقص حاد في المياه النظيفة، مما يؤثر بشدة ليس فقط على القدرة على الشرب، ولكن أيضًا على الغسل والتنظيف والطهي([326]).
يستمر الحصار والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية من القصف في منع معالجة المياه وتوزيعها بشكل كافٍ، وإدارة مياه الصرف الصحي، مع زيادة الفيضانات بشكل كبير لمخاطر انتشار الأمراض المعدية بين الفلسطينيين النازحين([327]). في 20 (كانون الاول / ديسمبر) 2023، حذر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية من أن “غزة تشهد بالفعل معدلات متصاعدة من تفشي الأمراض المعدية. حالات الإسهال بين الأطفال دون سن الخامسة هي 25 ضعف ما كانت عليه قبل النزاع. يمكن أن تكون هذه الأمراض قاتلة للأطفال سوء التغذية، والأمر أكثر خطورة في غياب خدمات الصحة العاملة”([328]).
تتدفق مياه الصرف الصحي في الشوارع حيث يعيش الفلسطينيون، حيث لم يعد بالإمكان إدارتها([329]). “أينما نظرت، مزدحم بالملاجئ المؤقتة. أينما ذهبت، الناس يائسون وجائعون ومرعوبون”([330]). هذه الظروف – المفروضة عمدًا من قبل إسرائيل – محسوبة لإحداث دمار المجموعة الفلسطينية في غزة.
6. حرمان الفلسطينيين في غزة من المساعدة الطبية الكافية
76. ربما أكثر من أي شيء آخر، كان الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة هجومًا على نظام الرعاية الصحية الطبية في غزة، وهو ضروري لحياة وبقاء الفلسطينيين في غزة. لقد “أعلنت إسرائيل ‘حربًا لا هوادة فيها’ على النظام الصحي في غزة”، كما لاحظ المقرر الخاص للأمم المتحدة حول الحق في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية. في بيان صدر في 7 (كانون الاول / ديسمبر) 2023، لاحظ الخبير التابع للأمم المتحدة أن “البنية التحتية الصحية في قطاع غزة قد دُمرت بالكامل” وأنه “نحن شهود على حرب مخزية ضد العاملين في مجال الرعاية الصحية”. وحذرت من أن “نحن في أظلم وقت للحق في الصحة في حياتنا” وأنه “لقد هبطنا إلى أعماق يجب أن نخرج منها بسرعة”([331]).
77. في رسالة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بتاريخ 4 (كانون الأول / ديسمبر) 2023، كتب الرئيس الدولي لمنظمة أطباء بلا حدود([332]):
“لقد أظهرت إسرائيل تجاهلاً صريحًا وكليًا لحماية منشآت الرعاية الطبية في غزة. نحن نشاهد المستشفيات تتحول إلى مشارح وأنقاض. تتعرض هذه المنشآت المفترض أن تكون محمية للقصف وإطلاق النار من الدبابات والبنادق، وتحاصر وتداهم، مما يؤدي إلى مقتل المرضى والطاقم الطبي. وثقت منظمة الصحة العالمية 203 هجمات على الرعاية الصحية أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 22 شخصًا وإصابة 59 من العاملين في مجال الصحة أثناء الخدمة. الطاقم الطبي، بما في ذلك طاقمنا، مرهق تمامًا ويائس. لقد اضطروا إلى بتر أطراف للأطفال الذين يعانون من حروق شديدة بدون تخدير أو أدوات جراحية معقمة. بسبب الإخلاء القسري من قبل الجنود الإسرائيليين، اضطر بعض الأطباء إلى ترك المرضى وراءهم بعد مواجهة اختيار لا يمكن تصوره بين حياتهم أو حياة مرضاهم. لا يوجد مبرر للهجمات الفظيعة على الرعاية الصحية… قُتل أربعة من طاقمنا في منظمة أطباء بلا حدود؛ فقد العديد آخرون من أفراد عائلاتهم. أصيب العديد من الزملاء الآخرين. أبلغت منظمات إنسانية أخرى عن مقتل العشرات من طاقمها… يتم محو شمال غزة من الخريطة. انهار النظام الصحي… أبلغ فريق الطوارئ لدينا في خان يونس، جنوب غزة، عن تدفقات هائلة للجرحى بعد قصف عنيف. وصل السبت الماضي 60 قتيلاً و213 جريحًا إلى غرفة الطوارئ في مستشفى الأقصى. تضرب هذه الغارات أيضًا مخيمات اللاجئين المكتظة والقذرة، حيث يكافح الناس للبقاء على قيد الحياة بالمساعدات الإنسانية القليلة المتاحة. إذا لم تصلهم القنابل، فسوف تصلهم الأمراض المعدية والجوع… “فعلنا ما بوسعنا. تذكرونا”. هذه هي الكلمات التي كتبها الدكتور محمود أبو نجيلة، الذي قُتل منذ ذلك الحين في هجوم على مستشفى، على السبورة البيضاء في مستشفى غزة المعتادة للتخطيط للجراحات. عندما يسكت السلاح ويتم الكشف عن الدمار الحقيقي، هل سيتمكن المجلس وأعضاؤه من قول الشيء نفسه؟”
78. منذ أوائل (كانون الأول / ديسمبر) 2023، ازدادت هجمات الجيش الإسرائيلي على المستشفيات الفلسطينية فقط. استمر الجيش الإسرائيلي في مهاجمة وحصار المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية؛ لحرمانهم من الكهرباء والوقود الضروريين للحفاظ على الأداء الفعال والمعدات؛ لعرقلة وصولهم إلى المستلزمات الطبية والطعام والماء؛ لإجبارهم على الإخلاء والإغلاق؛ وبشكل فعال لتدميرهم. شمال غزة، دون أي مستشفى يعمل لمدة أسبوع، لديه الآن فقط أربعة مستشفيات متحدية بشدة وتعمل جزئيًا([333]). لقد حولت إسرائيل المستشفيات الفلسطينية في غزة من أماكن للشفاء إلى “مناطق موت” ([334])، ومسارح لـ “المجزرة”([335])، “الموت والدمار واليأس”([336]). أصبح العديد من المستشفيات الآن مجرد “أماكن ينتظر فيها الناس الموت”([337]). تصف منظمة الصحة العالمية الوضع بأنه “لا يمكن التصديق عليه” و”لا يصدق”([338]).
79. لقد كان هناك الآن أكثر من 238 هجومًا على ‘الرعاية الصحية’ في غزة، حيث تم تدمير أو إتلاف أكثر من 61 مستشفى ومنشأة صحية أخرى.(339) لا تزال فقط 13 من أصل 36 مستشفى و18 من أصل 72 مركزًا صحيًا تعمل — وبعضها بالكاد — على الرغم من العدد الهائل من الأشخاص المصابين في الهجمات الإسرائيلية.(340) استهدف الجيش الإسرائيلي مولدات المستشفيات والألواح الشمسية للمستشفيات،(341) ومعدات أخرى حيوية مثل محطات الأكسجين وخزانات المياه.(342) كما استهدف سيارات الإسعاف والقوافل الطبية والمسعفين الأوائل.(343) تم قتل 311 من العاملين في مجال الصحة (بمعدل أربعة قتلى في اليوم)،(344) بما في ذلك ما لا يقل عن 22 من العاملين في مجال الصحة قتلوا أثناء الخدمة.(345) من بين القتلى بعض من أكثر الأطباء خبرة ومهارة في غزة بما في ذلك الدكتور هاني الهيثم، رئيس قسم الطوارئ في مستشفى الشفاء، الذي قُتل مع زوجته الدكتورة سميرة غيرافي، وأطفالهم؛(346) الدكتور محمد دبور، رئيس قسم علم الأمراض في مستشفى الشفاء، قُتل على ما يبدو مع ابنه ووالده أثناء محاولتهم الفرار من مدينة غزة؛(347) الدكتور مدحت سعيدم، جراح تجميلي للحروق في مستشفى الشفاء والدكتور حمام الله، أخصائي كلي في مستشفى الشفاء قُتل في هجمات على منازل عائلتهم.(348) في مقابلة قبل وفاته بوقت قصير، رد الدكتور الوه على السؤال لماذا لا يفر من الشمال إلى الجنوب قائلاً: “إذا ذهبت، فمن سيعالج مرضاي؟ نحن لسنا حيوانات، لدينا الحق في تلقي الرعاية الصحية المناسبة. تعتقد أنني درست الطب وحصلت على درجات عليا لمدة 14 عامًا لأفكر فقط في حياتي وليس مرضاي؟”.(349) الدمار الممنهج للمستشفيات الفلسطينية وقتل الأطباء الفلسطينيين المتخصصين لا يؤثر فقط على رعاية الفلسطينيين في غزة حاليًا، بل يقوض أيضًا آفاق نظام رعاية صحية فلسطيني مستقبلي في غزة، مدمرًا قدرته على إعادة البناء وتقديم الرعاية الفعالة للشعب الفلسطيني في غزة.
80. لقد قُتل ما لا يقل عن 570 فلسطينيًا في المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية في غزة وأصيب 746 آخرون.(350) من بينهم المرضى والفلسطينيين النازحين داخليًا، الذين سعوا دون جدوى للعثور على ملجأ في أراضي المستشفى أو بالقرب منها، وقُتلوا بضربات إسرائيلية أو قناصة.(351) لقد قُتلت الأمهات الفلسطينيات في مستشفيات الولادة، والأطفال الفلسطينيون في مستشفيات الأطفال.(352) حتى أولئك الذين كانوا يعتنون بالموتى ويعدونهم – مثل سعيد الشربجي، مدير مشرحة مستشفى ناصر – قُتلوا أنفسهم.(353) بعضهم كانوا ضحايا للهجمات الإسرائيلية عدة مرات، مثل دينا أبو محسن البالغة من العمر 12 عامًا – التي أجرت معها اليونيسف مقابلة بعد أن فقدت والديها وأخويها وساقها في هجوم إسرائيلي على منزلها – ثم قُتلت عندما قصف الجيش الإسرائيلي المستشفى الذي كانت تعالج فيه.(354)
81. لقد مات فلسطينيون آخرون نتيجة مباشرة لقطع إسرائيل الكهرباء والوقود عن المستشفيات؛ من بينهم خمسة أطفال خدج و40 مريضًا في العناية المركزة ومرضى الكلى في مستشفى الشفاء.(355) لقد مات فلسطينيون آخرون نتيجة مباشرة لإجلاء المستشفيات القسري من قبل إسرائيل، بما في ذلك ما لا يقل عن أربعة رضع في مستشفى النصر، تم العثور على جثثهم الصغيرة بعد أسابيع – خلال وقف إطلاق النار المؤقت – وهي تتحلل في أسرة المستشفى.(356) تم تحويل ساحات المستشفيات إلى مواقع للمقابر الجماعية: (357) في مستشفى الشفاء، كان الأطباء أنفسهم الذين اضطروا إلى حفر مقبرة جماعية لجثث 179 مريضًا وآخرين متحللة.(358) قامت الجرافات الإسرائيلية بحفر واستخراج مقبرة جماعية في مستشفى كمال عدوان المحاصر في 16 (كانون الأول / ديسمبر) حيث دفن 26 فلسطينيًا.(359) في حديثه إلى CNN، قال حسام أبو صفية، رئيس خدمات الأطفال في مستشفى كمال عدوان، “حفر الجنود القبور هذا الصباح وجرّوا الجثث بالجرافات، ثم سحقوا الجثث بالجرافات… لم أرَ مثل هذا الشيء من قبل”.(360)
82. لقد تم تجاهل قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم اي اس 10/21 بتاريخ 27 (تشرين الأول/ أكتوبر) 2023 – الذي يدعو إلى “احترام وحماية … جميع المنشآت المدنية والإنسانية، بما في ذلك المستشفيات والمرافق الطبية الأخرى … وكذلك جميع الأفراد الإنسانيين والطبيين”(361) – بشكل حازم. لقد استمر الأطباء والمسعفون ليس فقط في القتل، ولكن أيضًا في الجمع والاختفاء على يد السلطات الإسرائيلية.(362) من بينهم المدير العام لمستشفى الشفاء وطاقمه، الذين تم القبض عليهم واحتجازهم دون تواصل منذ 23 (تشرين الثاني / أكتوبر) 2023. (363)
83. يُحرم الجرحى من قبل إسرائيل في غزة من الرعاية الطبية الحيوية:(364) نظام الرعاية الصحية في غزة – الذي تم تعطيله بالفعل بسبب سنوات من الحصار والهجمات السابقة من قبل إسرائيل – غير قادر على التعامل مع الحجم الهائل للإصابات، الآن بـ 55,243 مصابًا بما في ذلك ما لا يقل عن 8,663 طفلاً.(365) هناك تقارير عن مرضى مصابين بجروح خطيرة يمشون لأميال في محاولة للعثور على مساعدة. أبرزت اليونيسف حالة صبي من الشمال “الذي انفجرت ساقه في العنف”، والذي “قضى ‘ثلاثة أو أربعة أيام’ في محاولة للوصول إلى الجنوب، متأخرًا بسبب الحواجز … كانت رائحة [التحلل] واضحة … وكان لدى الصبي شظايا في جميع أنحاء جسمه. من المحتمل أنه كان أعمى وعانى من حروق تغطي 50 في المئة من جسمه”.(366) حددت OCHA حالة امرأة مصابة بشظايا في بطنها، سارت من الشمال إلى الجنوب مضغوطة على جراحها بمنشفة.(367)
اضطر الفلسطينيون إلى إجلاء مرضاهم والمعاقين والجرحى في مسيرة قسرية من الشمال إلى الجنوب – ومن ثم مرة أخرى من الجنوب إلى أماكن أخرى – سحب أسرة المستشفيات خلف السيارات، دفع الكراسي المتحركة، رفعهم على نقالات مؤقتة، أو ببساطة حملهم في الأذرع.(368)
84. توصف المستشفيات التي لا تزال تعمل بأنها مشاهد من “فيلم رعب”. (369) النقص الحاد في الموظفين والإمدادات – بما في ذلك المخدرات والمسكنات والأدوية والمطهرات – أدى ليس فقط إلى بتر غير ضروري للأطراف، (371) ولكن أيضًا إلى بتر دون تخدير، غالبًا ما يتم إجراؤه بواسطة مصباح يدوي. (372) تتعرض النساء الحوامل أيضًا لإجراء الولادات القيصرية بدون تخدير. (373) يتم علاج المرضى على أرضيات متسخة مغطاة بالدماء، مع وقوف أفراد العائلة يمسكون بأكياس محلول ملحي، حيثما كانت متاحة. (374) هناك نقص في الموظفين والموارد للعناية الكافية بالجروح أو العناية بالجروح بعد العملية الجراحية: (375) الجروح غير النظيفة – والتي غالبًا ما تكون موبوءة بالديدان والذباب – تصبح ملتهبة بسرعة، متعفنة أو متغرنة. (376) يتوسل المرضى للحصول على الطعام والماء. (377) حتى علاج الألم الأساسي غالبًا ما يكون غير متوفر، والمرضى معرضون لخطر الموت بسبب أمراض يمكن علاجها. (378) وصف أحد الأطباء الاضطرار إلى القيام بإجراءات دون تخدير، فقال:
“اضطررت إلى تغيير الضمادات على جروح كبيرة، جروح مؤلمة للغاية. كانت هناك فتاة تغطي جسدها بالكامل الشظايا. كان عمرها تسع سنوات. انتهى بي الأمر إلى تغيير وتنظيف هذه الجروح بدون مخدر ولا مسكن. تمكنت من العثور على بعض الباراسيتامول الوريدي لإعطائها… كان والدها يبكي، وأنا كنت أبكي، والطفلة الفقيرة كانت تصرخ…”.(379)
85. بالإضافة إلى المصابين في الحرب، هناك مئات الآلاف من الفلسطينيين في غزة الذين لا يزالون بحاجة إلى الرعاية الطبية الروتينية لحالات مثل ارتفاع ضغط الدم، أمراض القلب والأوعية الدموية أو السكري. (380) آلاف الفلسطينيين في غزة بحاجة أيضًا إلى رعاية عاجلة لأمراض الكلى والسرطان، ويعتمد ما يقدر بـ 130 طفلاً خديجاً على الحاضنات للبقاء على قيد الحياة في أي وقت معين. (381) العديد منهم الآن غير قادرين على تلقي المساعدة الطبية. تحذر اليونيسف من أن “النساء والأطفال والمواليد الجدد في غزة يتحملون بشكل غير متناسب عبء تصعيد العدوانيات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، سواء كضحايا أو في تقليل الوصول إلى خدمات الصحة”. (382) يفتقر كبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة إلى الأدوية الأساسية، وهم أكثر عرضة لخطر الأمراض المعدية، سوء التغذية والموت. (383) النساء الحوامل أيضًا عرضة بشكل خاص. (384)
86. بدأ الخبراء في التحذير من أن أعداد الفلسطينيين الذين يموتون نتيجة الأمراض والجوع قد تتجاوز بالفعل الوفيات العنيفة الناجمة عن اعتداءات الجيش الإسرائيلي. (385) لقد تم توثيق أكثر من 360,000 حالة من الأمراض المعدية المبلغ عنها في ملاجئ الأونروا وحدها، والتي تسببت فيها أو تفاقمت بسبب الظروف غير الصحية والجوع ونقص المياه النظيفة، مع اعتقاد بأن الأعداد الفعلية أعلى بكثير. (386) كما ذكرت منظمة الصحة العالمية:
“غزة تشهد بالفعل معدلات متصاعدة من الأمراض المعدية. تم الإبلاغ عن أكثر من 100000 حالة من الإسهال منذ منتصف أكتوبر. نصف هذه الحالات بين الأطفال الصغار دون سن الخامسة، وهي أعداد تزيد 25 مرة عما كان مبلغًا عنه قبل الصراع. تم الإبلاغ عن أكثر من 150000 حالة من التهابات الجهاز التنفسي العلوي، والعديد من حالات التهاب السحايا، طفح جلدي، جرب، قمل وجدري الماء. يُشتبه أيضًا في الإصابة بالتهاب الكبد حيث يظهر العديد من الأشخاص علامات مميزة لليرقان.
بينما يمكن للجسم السليم مكافحة هذه الأمراض بشكل أسهل، فإن الجسم الضعيف والهزيل سيجد صعوبة في ذلك. الجوع يضعف دفاعات الجسم ويفتح الباب للأمراض. سوء التغذية يزيد من خطر وفاة الأطفال من أمراض مثل الإسهال والالتهاب الرئوي والحصبة، خاصة في بيئة يفتقرون فيها إلى الوصول إلى خدمات الصحة الحيوية.
حتى لو نجا الطفل، يمكن أن يكون للهزال تأثيرات طويلة الأمد حيث يعيق النمو ويضعف التطور الإدراكي… شعب غزة، الذي عانى بالفعل بما فيه الكفاية، يواجه الآن الموت من الجوع والأمراض التي يمكن علاجها بسهولة بنظام صحي فعال. يجب أن يتوقف هذا. يجب أن تتدفق الغذاء والمساعدات الأخرى بكميات أكبر بكثير. تكرر منظمة الصحة العالمية دعوتها لوقف إطلاق النار الإنساني الفوري.”(387)
87. يقيّم الخبراء أن عدد الوفيات من الأمراض والجوع “قد يكون أضعاف الوفيات من القتال والضربات الجوية”. (388) إسرائيل من خلال هجماتها المتواصلة على النظام الصحي الفلسطيني في غزة تلحق عمداً بالفلسطينيين في غزة ظروف حياة محسوبة لإحداث دمارهم المؤكد. (389) في مقال نشر في المجلة الطبية البريطانية، The Lancet، أبرزت مجموعة من الأطباء “الأبعاد الصحية للعنف الناجم عن الحصار المستمر والهجمات ضد الفلسطينيين” محذرين بحق من “خطر جسيم للإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني”. (390)
7. تدمير الحياة الفلسطينية في غزة
88, في 16 (تشرين الثاني / نوفمبر ) 2023، حذر 15 من المقررين الخاصين للأمم المتحدة و21 عضوًا من مجموعات العمل التابعة للأمم المتحدة من “إبادة جماعية قيد التنفيذ” في غزة، مشيرين إلى أن مستوى الدمار الذي حدث بحلول ذلك الوقت من “الوحدات السكنية، وكذلك المستشفيات والمدارس والمساجد والمخابز وأنابيب المياه وشبكات الصرف الصحي والكهرباء… يهدد باستحالة استمرار الحياة الفلسطينية في غزة”. (391) كما يلاحظون، استخدمت إسرائيل في حملتها القصفية ضد غزة “أسلحة قوية ذات تأثيرات غير تمييزية، مما أدى إلى حصيلة موتى هائلة وتدمير للبنية التحتية الحيوية للحياة”. (392) لم تدمر إسرائيل المنازل الفردية والبيوت والأبنية السكنية الكاملة فقط؛ بل دمرت شوارع بأكملها وأحياء بأكملها: شجاعية، ضاحية في مدينة غزة، كانت موطنًا لحوالي 110,000 فلسطيني، تبدو الآن كأرض قاحلة واسعة، ممتدة تمامًا بقدر ما تستطيع العين أن ترى. (393) تم تدمير متاجرها ومدارسها وسوقها النابض بالحياة ومنازل العائلات وعيادات الأطباء وشوارعها التاريخية ومسجد ابن عثمان، وكل شيء كان يحافظ على الحياة الفلسطينية هناك، بالإضافة إلى العديد من سكانها. (394) تبدو مناطق أخرى في غزة أنها شهدت مستوى مماثل من الدمار، بما في ذلك بيت حانون، (395) بيت لاهيا، (396) مدينة غزة القديمة، (397) الرمال، (398) ومخيم نصيرات للاجئين في الجنوب. (399)
89. في جميع أنحاء غزة، استهدفت إسرائيل البنية التحتية وأسس الحياة الفلسطينية، مخلقة عمدًا ظروف حياة محسوبة لإحداث الدمار الجسدي للشعب الفلسطيني. بالإضافة إلى الهجمات المذكورة سابقًا على المنازل والأحياء والمستشفيات وأنظمة المياه والأراضي الزراعية والمخابز والمطاحن، استهدفت إسرائيل أيضًا النظام المدني الأساسي في غزة. استهدفت إسرائيل قصر العدالة،(400) – المبنى الرئيسي للمحاكم الفلسطينية في غزة – الذي يضم المحكمة العليا الفلسطينية والمحكمة الدستورية ومحكمة الاستئناف ومحكمة البداية والمحكمة الإدارية ومحكمة الصلح، بالإضافة إلى أرشيف سجلات المحكمة وملفات تاريخية أخرى. لقد ألحقت إسرائيل أضرارًا كبيرة بمجمع المجلس التشريعي الفلسطيني أيضًا.(401) استهدفت أيضًا مبنى الأرشيف المركزي في مدينة غزة، الذي يحتوي على آلاف الوثائق التاريخية والسجلات الوطنية التي تعود إلى أكثر من 100 عام، والتي تشكل أرشيفًا أساسيًا للتاريخ الفلسطيني، بالإضافة إلى السجلات الحديثة للتطور الحضري لمدينة غزة.(402)
90. خلفت إسرائيل المكتبة العامة الرئيسية في مدينة غزة في حالة خراب (403). كما ألحقت الضرر أو دمرت عدد لا يحصى من المكتبات ودور النشر والمكتبات (404)، ومئات المرافق التعليمية (405). استهدفت إسرائيل جميع جامعات غزة الأربع – بما في ذلك الجامعة الإسلامية في غزة، أقدم مؤسسة للتعليم العالي في الإقليم، التي دربت أجيالًا من الأطباء والمهندسين، من بين آخرين (406) – مدمرةً الحرم الجامعي لتعليم الأجيال القادمة من الفلسطينيين في غزة  إلى جانب العديد من الآخرين، قتلت إسرائيل أكاديميين فلسطينيين بارزين، بما في ذلك: البروفيسور سفيان طيه، رئيس الجامعة الإسلامية – وهو فيزيائي حائز على جوائز وكرسي اليونسكو لعلم الفلك والفيزياء الفلكية وعلوم الفضاء في فلسطين – الذي مات مع عائلته في ضربة جوية؛ الدكتور أحمد حمدي أبو عبسة، عميد قسم هندسة البرمجيات في جامعة فلسطين، قُتل بالرصاص على يد جنود إسرائيليين وهو يبتعد، بعد أن تم إطلاق سراحه من ثلاثة أيام من الاختفاء القسري؛ والبروفيسور محمد عيد شبير، أستاذ علم المناعة والفيروسات، ورئيس سابق للجامعة الإسلامية في غزة، والبروفيسور رفعت العرير، شاعر وأستاذ الأدب المقارن والكتابة الإبداعية في الجامعة الإسلامية في غزة، قُتل كلاهما من قبل إسرائيل مع أفراد من عائلاتهم. البروفيسور العرير كان أحد المؤسسين المشاركين لمشروع ‘نحن لسنا أرقامًا’، وهو مشروع شبابي فلسطيني يسعى لرواية القصص وراء الحسابات غير الشخصية للفلسطينيين – ووفيات الفلسطينيين – في الأخبار.(407)
91. لقد ألحقت إسرائيل الضرر ودمرت العديد من مراكز التعلم والثقافة الفلسطينية، بما في ذلك: مسجد الزفر دمري ومركز المخطوطات والوثائق القديمة؛(408) المركز الثقافي الأرثوذكسي؛ متحف القرارة الثقافي؛ مركز غزة للثقافة والفنون؛ المركز الثقافي الاجتماعي العربي؛ جمعية الحكاوي للثقافة والفنون؛ ومتحف رفح – متحف غزة الجديد للتراث الفلسطيني، الذي يضم مئات القطع الثقافية والأثرية. لقد دمرت هجمات إسرائيل التاريخ القديم لغزة: تم تدمير أو إتلاف ثمانية مواقع، بما في ذلك الميناء القديم لغزة (المعروف باسم ‘ميناء أنثيدون’ أو ‘البلاخية’) – موقع أثري لمقبرة رومانية عمرها 2000 عام مدرجة في كل من قائمة التراث الإسلامي والقائمة التمهيدية للتراث العالمي التابعة لليونسكو.(409) كما دمرت إسرائيل ‘المدينة القديمة’ في غزة، بما في ذلك بيوتها التاريخية التي يبلغ عمرها 146 عامًا، المساجد، الكنائس، الأسواق والمدارس. لقد دمرت أيضًا التاريخ الأحدث لغزة لأوقات أكثر أملاً، بما في ذلك مركز رشاد الشوا الثقافي – موقع اجتماع تاريخي بين الرئيس الأمريكي بيل كلينتون والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات قبل 25 عامًا – ومركز ثقافي هام للفلسطينيين في غزة، مع مسرحه ومكتبته ومساحة الفعاليات.(410) وتدمر إسرائيل إمكانيات غزة الأكاديمية والثقافية المستقبلية: إلى جانب الـ 352 مدرسة فلسطينية التي ألحقت بها الأضرار أو دمرتها،(411) الـ 4,037 طالبًا و209 معلمين وموظفين تعليميين الذين قتلتهم، إلى جانب 7,259 طالبًا آخر و619 معلمًا أصيبوا.(412)
92. قامت إسرائيل بتدمير أو إلحاق الضرر بحوالي 318 موقعًا دينيًا مسيحيًا ومسلمًا، مدمرة الأماكن التي عبد فيها الفلسطينيون لأجيال (413). من بينها المسجد العمري الكبير، الذي كان كنيسة بيزنطية في القرن الخامس، وهو علامة بارزة في تاريخ غزة وهندستها المعمارية وتراثها الثقافي، ومكان للعبادة للمسيحيين والمسلمين لأكثر من 1000 عام (414). كما ألحق القصف الإسرائيلي أضرارًا بكنيسة القديس برفيريوس، التي تأسست في 425 ميلادي ويعتقد أنها ثالث أقدم كنيسة في العالم – إلى جانب كنيستين أخريين تعرضتا لإطلاق النار المباشر من إسرائيل (415). المسيحيون في غزة أنفسهم كانوا هدفًا لإسرائيل وقتلوا في ساحات الكنائس التي لجأوا إليها (416).
93. إلى جانب تدميرها للنصب التذكارية الفعلية لتاريخ وتراث الفلسطينيين في غزة، سعت إسرائيل إلى تدمير الشعب الفلسطيني نفسه الذي يشكل ويخلق هذا التراث: الصحفيين المشهورين في غزة، ومعلميها ومثقفيها والشخصيات العامة، وأطبائها وممرضاتها، وصانعي أفلامها وكتابها ومغنيها، ومديري وعمداء جامعاتها، ورؤساء مستشفياتها، وعلمائها البارزين، واللغويين والكتّاب المسرحيين والروائيين والفنانين والموسيقيين. قتلت إسرائيل وتقتل الرواة والشعراء الفلسطينيين، والفلاحين والصيادين الفلسطينيين، إلى جانب أساطير محلية في غزة: الشيف مسعود محمد القطاطي، الذي قُتل في ضربة جوية إسرائيلية على منزله في 3 نوفمبر 2023، الذي كان شعار متجره ‘دع الفقراء يأكلون’ – وسمعته بتوزيع الحلوى الفلسطينية الشعبية ‘الكنافة’ على العملاء المعدمين – أكسبته لقب ‘أبو الفقراء’؛ الحام علهام فرح، التي تنتمي إلى واحدة من أقدم العائلات المسيحية الفلسطينية – عازفة الأكورديون المعروفة ومعلمة الموسيقى، المعروفة باسم ‘أم البرتقال’ لأجيال من طلاب الموسيقى الفلسطينيين بسبب شعرها الأحمر البرتقالي،(417) – قتلت برصاص قناص إسرائيلي خارج كنيسة العائلة المقدسة في مدينة غزة عندما عادت إلى المنزل للحصول على ملابس دافئة وتركت تنزف حتى الموت؛(418) والشيماء سعيدم، الطالبة التي حصلت على أعلى درجات الامتحان النهائي للمدرسة الثانوية في فلسطين بأكملها، قتلت مع أفراد عائلتها في هجوم على مخيم النصيرات للاجئين.(419) كما تدمر إسرائيل الذاكرة الرسمية والسجلات للفلسطينيين في غزة من خلال تدمير الأرشيفات والمعالم في غزة، فهي تمحو الحياة الشخصية والذكريات الخاصة والتاريخ والمستقبل الفلسطيني، من خلال القصف وتجريف المقابر (420)، تدمير السجلات العائلية والصور الفوتوغرافية، وإبادة العائلات الفلسطينية متعددة الأجيال بأكملها (421)، وقتل وتشويه وترويع جيل من الأطفال (422). كما يقول رجل فلسطيني في فيديو من الأونروا: “هذه كلها ذكرياتنا، حياتنا بأكملها… الآن كل شيء ذهب؛ كل شيء تحول إلى رماد” (423).
94. الجيش الإسرائيلي – الذي يقيم العلم الإسرائيلي فوق أنقاض المنازل والبلدات والمدن الفلسطينية المدمرة، بما في ذلك في ساحة فلسطين نفسها بمدينة غزة (424)، والمدفوع بدعوات من داخل الحكومة الإسرائيلية وخارجها لـ’تسوية غزة بالأرض’ وإعادة إقامة المستوطنات الإسرائيلية على أنقاض المنازل الفلسطينية (425) – يدمر نسيج وأساس الحياة الفلسطينية في غزة. وبذلك تقوم إسرائيل عمدًا بإلحاق ظروف حياة بالمجموعة الفلسطينية في غزة محسوبة لإحداث دمارها.
8. فرض تدابير تهدف إلى منع ولادات فلسطينية
95. كما هو موضح أعلاه، تؤثر أفعال إسرائيل بشكل خاص على النساء والأطفال الفلسطينيين في غزة، حيث يُقدر أن 70 في المائة من القتلى هم من النساء والأطفال. يُقدر أن امرأتين يُقتلن كل ساعة في غزة. كان يُقدر أن أكثر من 7,729 طفلًا قد قُتلوا بحلول 11 (كانون الاول / ديسمبر) 2023 وحده (426)، وتم الإبلاغ عن فقدان ما لا يقل عن 4,700 امرأة وطفل آخرين، يُعتقد أنهم مدفونون تحت الأنقاض (427). هناك العديد من الشهادات من شهود عيان لنساء حوامل تم قتلهن على يد جنود إسرائيليين، بما في ذلك أثناء محاولتهن الوصول إلى الرعاية الصحية (428).
96. تتأثر النساء الحوامل والأطفال – بما في ذلك الأطفال حديثي الولادة – بشكل خاص بالنزوح ونقص الوصول إلى الغذاء والماء والمأوى والملابس والنظافة والصحة الصحية، ونقص الوصول إلى خدمات الصحة. هذه الآثار شديدة وهامة. يُقدر أن 5500 من حوالي 52000 امرأة فلسطينية حامل في غزة تلد كل شهر في ظروف غير آمنة، غالبًا دون ماء نظيف، ناهيك عن المساعدة الطبية، “في الملاجئ، في منازلهم، في الشوارع وسط الأنقاض، أو في مرافق الرعاية الصحية المزدحمة، حيث تتدهور الصحة الصحية ويزداد خطر العدوى والمضاعفات الطبية” (429). حيث يمكنهم الوصول إلى مستشفى يعمل، يجب على النساء الحوامل أن يخضعن لعمليات قيصرية بدون تخدير (430).
97. نظرًا لعدم الوصول إلى الإمدادات الطبية الحرجة، بما في ذلك الدم – يضطر الأطباء إلى إجراء استئصال الرحم غير الضروري عادة على النساء الشابات في محاولة لإنقاذ حياتهن، مما يجعلهن غير قادرات على إنجاب المزيد من الأطفال.(431) في الواقع، تؤكد وزيرة الصحة لدولة فلسطين، الدكتورة مي الكيلة، أن الخيار الوحيد المتاح أمام النساء الفلسطينيات في غزة اللواتي “ينزفن” بعد الولادة هو الخضوع لعملية استئصال الرحم من أجل إنقاذ حياتهن.(432) نقص الأدوية المتاحة، مثل حقنة الأنتي-دي – التي تُعطى للنساء السالبات للريسوس عند ولادة طفل إيجابي للريسوس – يؤثر أيضًا بشكل خطير على احتمالية الحمل الصحي المستقبلي للنساء المتأثرات.
98. لقد زادت حالات الولادات المبكرة بنسبة تتراوح بين 25-30 في المائة، حيث تواجه النساء الحوامل المتوترات والمتأثرات بالصدمات مجموعة من التحديات، بما في ذلك الاضطرار إلى المشي لمسافات طويلة بحثًا عن الأمان، محاولة الهروب من القنابل والازدحام في الملاجئ في ظروف غالبًا ما تكون قذرة. خاصة في شمال غزة، زادت حالات انفصال المشيمة – وهي حالة خطيرة تحدث للنساء الحوامل أثناء الولادة وقد تهدد حياة الأم والطفل – أكثر من الضعف.(433)
99. يُقال إن عددًا متزايدًا من الأطفال الفلسطينيين في غزة يموتون من أسباب يمكن تجنبها بالكامل، ناجمة عن أفعال إسرائيل: يموت الأطفال حديثو الولادة حتى عمر ثلاثة أشهر من الإسهال وانخفاض حرارة الجسم وأسباب أخرى يمكن تجنبها. دون المعدات الأساسية والدعم الطبي، ليس لدى الأطفال الخدج والأطفال ذوي الوزن المنخفض فرصة كبيرة للبقاء على قيد الحياة (434). توفي أطفال فلسطينيون حديثو الولادة بسبب نقص الوقود اللازم لتشغيل مولدات المستشفى (435)، وجد آخرون متحللين في أسرتهم الطبية، بعد أن أجبرتهم إسرائيل الموظفين الطبيين على الإخلاء (436).
100. في 3  (تشرين الثاني / نوفمبر) 2023، حذرت منظمة الصحة العالمية من أن “من المتوقع زيادة وفيات الأمهات بسبب نقص الوصول إلى الرعاية الكافية”، مع عواقب قاتلة على الصحة الإنجابية، بما في ذلك زيادة في حالات الإجهاض المستحثة بالضغط والولادات الميتة والولادات المبكرة.(437) سيكون التأثير بالضرورة طويل الأمد وشديد للفلسطينيين في غزة كمجموعة. بحلول 22 (تشرين الثاني / نوفمبر) 2023، حذرت المقررة الخاصة للأمم المتحدة بشأن العنف ضد المرأة والفتيات، أسبابه وعواقبه، صراحةً من أن “العنف الإنجابي الذي تسببت فيه إسرائيل للنساء و الرضع والأطفال قد يعتبر… أعمال إبادة جماعية بموجب المادة 2 من اتفاقية منع الإبادة الجماعية … بما في ذلك “فرض تدابير تهدف إلى منع الولادات ضمن مجموعة”. أكدت أن “على الدول أن تمنع وتعاقب مثل هذه الأعمال وفقًا لمسؤولياتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية”.(438)
د. تعبيرات النية الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني من قبل المسؤولين الإسرائيليين والآخرين
101. كانت الأدلة على النية المحددة (‘دولوس سبيشاليس’) للمسؤولين الإسرائيليين لارتكاب والاستمرار في ارتكاب أعمال إبادة جماعية أو الفشل في منعها كبيرة وصريحة منذ أكتوبر 2023. هذه التصريحات بالنية – عند دمجها مع مستوى القتل والتشويه والتشريد والدمار على الأرض، إلى جانب الحصار – تشهد على إبادة جماعية مستمرة ومتطورة. تشمل التصريحات من الأفراد التالية في أعلى المسؤولية:
– رئيس الوزراء الإسرائيلي: في 7 (تشرين الأول/ أكتوبر) 2023، في خطاب متلفز من مكتب الصحافة الحكومي، وعد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بـ”العمل بقوة في كل مكان” (439). في 13 (تشرين الأول/ أكتوبر) 2023، أكد أنه “[نحن نضرب أعداءنا بقوة غير مسبوقة …” (440). في 15 (تشرين الأول/ أكتوبر) 2023، عندما كانت الضربات الجوية الإسرائيلية قد قتلت بالفعل أكثر من 2670 فلسطينيًا، بما في ذلك 724 طفلاً، صرح رئيس الوزراء بأن الجنود الإسرائيليين “يفهمون نطاق المهمة” وهم مستعدون “لهزيمة الوحوش المتعطشة للدماء التي قامت ضد [إسرائيل] لتدميرنا” (442). في 16 (تشرين الثاني / نوفمبر) 2023 في خطاب رسمي للكنيست الإسرائيلي، وصف الوضع بأنه “صراع بين أبناء النور وأبناء الظلام، بين الإنسانية وقانون الغاب”،(443) موضوع تحقيري عاد إليه في مناسبات مختلفة، بما في ذلك: في 3 (تشرين الثاني / نوفمبر) 2023، في رسالة إلى الجنود والضباط الإسرائيليين نُشرت أيضًا على منصة ‘X’ (المعروفة سابقًا بتويتر)؛ وأكدت الرسالة أن: “هذه هي الحرب بين أبناء النور وأبناء الظلام. لن نتوقف عن مهمتنا حتى يتغلب النور على الظلام – الخير سيهزم الشر الشديد الذي يهددنا والعالم بأسره.”(444) كما عاد رئيس الوزراء إلى هذا الموضوع في رسالته ‘لعيد الميلاد’، قائلاً: “نحن نواجه وحوش، وحوش قتلت الأطفال أمام والديهم… هذه معركة ليست فقط إسرائيل ضد هذه البرابرة، بل معركة الحضارة ضد الهمجية”.(445) في 28 (تشرين الأول/ أكتوبر) 2023، مع استعداد القوات الإسرائيلية لغزوها البري لغزة، استحضر رئيس الوزراء قصة التدمير التام لعماليق من قبل بني إسرائيل، قائلاً: “يجب عليك تذكر ما فعله عماليق بك، كما تقول كتبنا المقدسة. ونحن نتذكر”.(446) وأشار رئيس الوزراء مرة أخرى إلى عماليق في الرسالة المرسلة في 3 (تشرين الثاني / نوفمبر) 2023 إلى الجنود والضباط الإسرائيليين.(447) تقرأ النص الكتابي ذو الصلة كما يلي: “الآن اذهب، هاجم عماليق، وأحرم كل ما يخصه. لا تشفق على أحد، بل اقتل على حد سواء الرجال والنساء، الأطفال والرضع، الثيران والأغنام، الجمال والحمير”.(448)

– في 12 (تشرين الأول/ أكتوبر) 2023، أوضح الرئيس إسحاق هرتسوغ أن إسرائيل لا تميز بين المسلحين والمدنيين في غزة، حيث صرح في مؤتمر صحفي لوسائل الإعلام الأجنبية – فيما يتعلق بالفلسطينيين في غزة، والذين يزيد عددهم عن مليون طفل: “إنها أمة بأكملها هناك مسؤولة. ليس صحيحًا هذا الخطاب عن المدنيين غير المدركين وغير المشاركين. ليس صحيحًا على الإطلاق… وسنقاتل حتى نكسر عمودهم الفقري” (449). في 15 (تشرين الأول/ أكتوبر) 2023، صدى لكلمات رئيس الوزراء نتنياهو، أخبر الرئيس وسائل الإعلام الأجنبية بأن “سنقتلع الشر حتى يكون هناك خير للمنطقة بأكملها والعالم” (450). الرئيس الإسرائيلي هو واحد من العديد من الإسرائيليين الذين كتبوا بخط اليد ‘رسائل’ على القنابل التي ستُلقى على غزة (451).
– وزير الدفاع الإسرائيلي: في 9 (تشرين الأول/ أكتوبر) 2023، نصح وزير الدفاع يوآف جالانت في ‘تحديث الوضع’ للجيش الإسرائيلي بأن إسرائيل “تفرض حصارًا كاملاً على غزة. لا كهرباء، لا طعام، لا ماء، لا وقود. كل شيء مغلق. نحن نقاتل حيوانات بشرية.
نحن نتصرف وفقًا لذلك.”(452) كما أبلغ القوات على حدود غزة بأنه “أطلق جميع القيود”(453)، معلنًا بعبارات قاطعة: “غزة لن تعود كما كانت قبل. سنقضي على كل شيء. إذا لم يستغرق يومًا واحدًا، فسوف يستغرق أسبوعًا. قد يستغرق أسابيع أو حتى أشهر، سنصل إلى جميع الأماكن.”(454) كما أعلن أن إسرائيل تتحرك نحو “رد كامل النطاق” وأنه “أزال كل قيود” على القوات الإسرائيلية.(455)
– وزير الأمن القومي الإسرائيلي: في 10 (تشرين الثاني / نوفمبر) 2023، أوضح إيتمار بن غفير موقف الحكومة في خطاب تلفزيوني، قائلاً: “لتكن الأمور واضحة، عندما نقول إن حماس يجب أن تُدمر، فهذا يعني أيضًا الذين يحتفلون، والذين يدعمون، والذين يوزعون الحلوى – جميعهم إرهابيون، ويجب أن يُدمروا أيضًا.”(456)
– وزير الطاقة والبنية التحتية الإسرائيلي: في 13 (تشرين الأول/ أكتوبر) 2023، صرّح إسرائيل كاتس على تويتر: “جميع السكان المدنيين في غزة مأمورون بمغادرة المكان فورًا. سننتصر. لن يتلقوا قطرة ماء أو بطارية واحدة حتى يغادروا العالم.”(457) في 12 (تشرين الأول/ أكتوبر) 2023، غرّد: “مساعدات إنسانية إلى غزة؟ لن يُشغل أي مفتاح كهربائي، ولن يُفتح أي صنبور ماء، ولن يدخل أي شاحنة وقود حتى يُعاد الأسرى الإسرائيليون إلى ديارهم. الإنسانية مقابل الإنسانية. ولا أحد يعظنا بالأخلاق.”(458)
– وزير المالية الإسرائيلي: في 8 (تشرين الأول/ أكتوبر) 2023، صرح بتسلئيل سموتريتش في اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي أنه “يجب علينا توجيه ضربة لم يُشهد لها مثيل منذ 50 عامًا وإسقاط غزة.”(459)
– وزير التراث الإسرائيلي: في 1 (تشرين الثاني / نوفمبر) 2023، نشر أميحاي إيلياهو على فيسبوك: “شمال قطاع غزة، أجمل من أي وقت مضى. كل شيء مدمر ومسطح، متعة بصرية حقيقية… يجب علينا التحدث عن اليوم التالي. في ذهني، سنوزع قطع الأراضي على كل من قاتل من أجل غزة على مر السنين وعلى الذين تم إخلاؤهم من غوش قطيف” [مستوطنة إسرائيلية سابقة].(460) وفي وقت لاحق، جادل ضد المساعدات الإنسانية قائلاً “لن نقدم مساعدات إنسانية للنازيين”، و”لا وجود لمدنيين غير متورطين في غزة”.(461) كما طرح فكرة الهجوم النووي على قطاع غزة.(462)
– وزير الزراعة الإسرائيلي: في 11 (تشرين الثاني / نوفمبر) 2023، استذكر أفي ديختر في مقابلة تلفزيونية نكبة 1948، التي تم فيها إجبار أو فرار أكثر من 80 بالمئة من السكان الفلسطينيين في الدولة الإسرائيلية الجديدة من منازلهم، قائلاً إن “نحن الآن نطرح نكبة غزة بالفعل”.(463)
– نائب رئيس الكنيست وعضو لجنة الشؤون الخارجية والأمن: في 7 (تشرين الأول/ أكتوبر) 2023، غرّد نسيم فاتوري قائلاً: “الآن لدينا جميعًا هدف مشترك – محو قطاع غزة من على وجه الأرض. أولئك الذين لا يستطيعون سيتم استبدالهم”.(464)
102. قد صدرت تصريحات مماثلة من قبل مسؤولين في الجيش الإسرائيلي، ومستشارين ومتحدثين، وآخرين يتفاعلون مع القوات الإسرائيلية المنتشرة في غزة:
– منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في المناطق (‘COGAT’): في 9 (تشرين الأول/ أكتوبر) 2023، في بيان فيديو موجه إلى حماس وسكان غزة، نشرته القناة الرسمية لـ COGAT، حذر اللواء غسان عليان: “حماس أصبحت مثل داعش ومواطنو غزة يحتفلون بدلاً من أن يشعروا بالرعب. الحيوانات البشرية تعامل وفقًا لذلك. فرضت إسرائيل حصارًا كاملاً على غزة، لا كهرباء، لا ماء، فقط الضرر. أردتم جهنم، ستحصلون عليها”.(465)
– اللواء الاحتياطي في الجيش الإسرائيلي، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، ومستشار وزير الدفاع (466) في 7 (تشرين الأول/ أكتوبر) 2023، كتب جيورا إيلاند، وهو يصف الأمر الإسرائيلي بقطع الماء والكهرباء عن غزة، في مجلة على الإنترنت: “هذا ما بدأت إسرائيل بفعله – نحن نقطع إمدادات الطاقة والماء والديزل عن القطاع … ولكن هذا ليس كافيًا. لجعل الحصار فعالًا، يجب علينا منع الآخرين من تقديم المساعدة لغزة … يجب إخبار الناس أن لديهم خيارين؛ البقاء والجوع، أو المغادرة. إذا فضّلت مصر ودول أخرى أن يموت هؤلاء الناس في غزة، فهذا اختيارهم”.(467) في نفس اليوم، أكد في صحيفة وطنية أن “عندما تكون في حرب مع دولة أخرى لا تطعمهم، لا تزودهم بالكهرباء أو الغاز أو الماء أو أي شيء آخر … يمكن مهاجمة دولة بطريقة أوسع بكثير، لجلب الدولة إلى حافة عدم القدرة على العمل. هذا هو النتيجة الضرورية للأحداث” في غزة.(468) وقد أكد مرارًا على فوائد إسرائيل من خلق أزمة إنسانية في غزة، قائلاً إن “ليس من مصلحة إسرائيل إعادة تأهيل قطاع غزة وهذه نقطة مهمة يجب توضيحها للأمريكيين”،(469) وأن “إذا أردنا يومًا ما رؤية الرهائن على قيد الحياة، الطريقة الوحيدة هي خلق أزمة إنسانية شديدة في غزة”.(470) وأشار إلى أن الماء يجب أن يكون هدفًا، ملاحظًا أن ماء غزة “يأتي من آبار بها مياه مالحة غير صالحة للشرب. لديهم محطات معالجة مياه، يجب على
إسرائيل ضربت هذه المحطات. عندما يقول العالم كله إننا قد جُننا وهذه كارثة إنسانية – سنقول، إنها ليست نهاية، إنها وسيلة”.(471) في مقابلة إذاعية في 12 (تشرين الأول/ أكتوبر) 2023، أعاد التأكيد على أن الجيش يجب: “أن يخلق ضغطًا هائلًا على غزة، بحيث تصبح المنطقة مكانًا لا يمكن العيش فيه. لا يمكن العيش، حتى يتم تدمير حماس، مما يعني أن إسرائيل لا توقف فقط توريد الطاقة والديزل والماء والطعام … كما فعلنا في العشرين سنة الماضية … ولكن يجب علينا منع أي مساعدة ممكنة من الآخرين، وخلق في غزة وضعًا رهيبًا وغير محتمل، يمكن أن يستمر لأسابيع وأشهر”.(472)
جيورا إيلاند قد أُتيح له مرارًا وتكرارًا منصة إعلامية لدعوة غزة لجعلها غير صالحة للعيش، معلنًا “أن دولة إسرائيل ليس لديها خيار سوى جعل غزة مكانًا مؤقتًا أو دائمًا غير صالح للعيش فيه.”(473) في مقابلة في 6 (تشرين الثاني / نوفمبر) 2023، اقترح أن “إذا كان هناك نية لعمل عسكري في مستشفى الشفاء، والذي أعتقد أنه لا مفر منه، أتمنى أن يكون قد تلقى رئيس السي آي إيه تفسيرًا لماذا هذا ضروري، ولماذا يجب على الولايات المتحدة في نهاية المطاف دعم حتى عملية كهذه، حتى لو كانت هناك آلاف الجثث من المدنيين في الشوارع بعد ذلك.”(474) واقترح أيضًا أن “إسرائيل بحاجة إلى خلق أزمة إنسانية في غزة، تجبر عشرات الآلاف أو حتى مئات الآلاف على طلب اللجوء في مصر أو الخليج … غزة ستصبح مكانًا لا يمكن لأي إنسان العيش فيه”.(475) مكررًا كلمات الرئيس هرتسوغ، أكد مرارًا وتكرارًا أنه لا ينبغي التمييز بين مقاتلي حماس والمدنيين الفلسطينيين، قائلاً:
“من هن النساء ‘الفقيرات’ في غزة؟ هن جميع الأمهات والأخوات أو الزوجات لقتلة حماس. من ناحية، هن جزء من البنية التحتية التي تدعم المنظمة، ومن ناحية أخرى، إذا واجهن كارثة إنسانية، فيمكن افتراض أن بعض مقاتلي حماس والقادة الأصغر سيبدأون بفهم أن الحرب عبثية… تحذرنا المجتمع الدولي من كارثة إنسانية في غزة ومن الأوبئة الشديدة. يجب ألا نتهرب من هذا، مهما كان ذلك صعبا. بعد كل شيء، الأوبئة الشديدة في جنوب قطاع غزة ستقرب النصر… إن انهيارها المدني بالضبط هو الذي سيقرب نهاية الحرب. عندما يقول كبار الشخصيات الإسرائيلية في الإعلام ‘إما نحن أو هم’ يجب أن نوضح سؤال من هم ‘هم’. ‘هم’ ليسوا فقط مقاتلي حماس المسلحين، ولكن أيضا جميع المسؤولين ‘المدنيين’، بما في ذلك مديرو المستشفيات والمدارس، وأيضا كل سكان غزة الذين دعموا حماس بحماس وهللوا لفظائعها في 7 (تشرين الأول/ أكتوبر).”(476)
– جندي احتياط في الجيش الإسرائيلي “خطاب تحفيزي”: في 11 (تشرين الأول/ أكتوبر) 2023، إزرا ياخين، جندي احتياط في الجيش الإسرائيلي يبلغ من العمر 95 عاما — وهو من قدامى مذبحة دير ياسين خلال النكبة عام 1948 — تم استدعاؤه للخدمة الاحتياطية لـ “رفع معنويات” القوات الإسرائيلية قبل الغزو البري، تم بثه على وسائل التواصل الاجتماعي وهو يحرض جنود آخرين على الإبادة الجماعية كالتالي، بينما كان يقود في مركبة عسكرية إسرائيلية، مرتديًا زي الجيش الإسرائيلي: “كونوا منتصرين وأنهوهم ولا تتركوا أحدا خلفكم. امحوا ذكراهم. امحوهم، عائلاتهم، أمهاتهم وأطفالهم. لا يمكن لهؤلاء الحيوانات أن يعيشوا بعد الآن… كل يهودي لديه سلاح يجب أن يخرج ويقتلهم. إذا كان لديك جار عربي، لا تنتظر، اذهب إلى منزله وأطلق النار عليه… نريد أن نغزو، ليس كما كان من قبل، نريد الدخول وتدمير ما هو أمامنا، وتدمير البيوت، ثم تدمير الذي يليه. بكل قواتنا، دمار كامل، ادخل ودمر. كما ترون، سنشهد أشياء لم نحلم بها. ليسقطوا القنابل عليهم ويمحوهم.”(477)
– رئيس مجموعة عمليات الطيران في الجيش الإسرائيلي: في 28 (تشرين الأول/ أكتوبر) 2023، وصف المقدم جيلاد كينان سلاح الجو بأنه “يعمل معًا مع جميع الهيئات في جيش الدفاع الإسرائيلي عندما يكون الهدف واضحًا – لتدمير كل شيء تم لمسه بيد حماس”.(478)
– قائد في الكتيبة 2908 في الجيش الإسرائيلي: في فيديو نُشر على الإنترنت في 21 (كانون الاول / ديسمبر) 2023، قال يائير بن داود إن الجيش الإسرائيلي “دخل بيت حانون وفعل هناك كما فعل شمعون وليفي في نابلس”، وأن “كل غزة يجب أن تشبه بيت حانون”، في إشارة إلى المدينة في شمال غزة التي دمرها الجيش الإسرائيلي بالكامل..(479) النص الكتابي المعني يقرأ: “في اليوم الثالث، عندما كانوا في ألم، أخذ شمعون وليفي، اثنان من أبناء يعقوب، أخوة دينا، كل واحد مع سيفه، جاءوا إلى المدينة دون مضايقات، وقتلوا كل الذكور”.(480)
103. تشير التصريحات أعلاه من قبل صناع القرار الإسرائيليين والمسؤولين العسكريين بحد ذاتها إلى نية واضحة لتدمير الفلسطينيين في غزة كمجموعة “كذلك”. كما تشكل تحريضًا واضحًا ومباشرًا وعلنيًا على الإبادة الجماعية، والذي لم يتم التحقق منه أو معاقبته. تشير الاستنتاجات الواضحة من أفعال الجيش الإسرائيلي على الأرض — بما في ذلك من عدد القتلى والجرحى المدنيين الكبير، ومقياس النزوح والدمار والخراب الذي حل في غزة — إلى أن تلك التصريحات والتوجيهات الإبادية يتم تنفيذها ضد الشعب الفلسطيني. هذا أيضًا الاستنتاج الواضح والضروري الذي يجب استخلاصه من الأدلة الناشئة من جنود الجيش الإسرائيلي الذين يخدمون في غزة، بما في ذلك أولئك المتمركزين على الأرض:
– العقيد في الجيش الإسرائيلي، نائب رئيس منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في المناطق COGAT: يتحدث في فيديو تم تصويره في بيت لاهيا — واحدة من المناطق في غزة التي يبدو أنها عانت من مستويات شديدة من الدمار — وتم بثه على التلفزيون الإسرائيلي في 4 (تشرين الثاني / نوفمبر) 2023، قال العقيد يوغيف بارشيشيت: “من يعود إلى هنا، إذا عاد بعد ذلك، سيجد أرضًا محروقة. لا بيوت، لا زراعة، لا شيء. ليس لديهم مستقبل؛” وعلق عقيد آخر في نفس الفيديو، العقيد إيريز إيشيل (احتياط)، قائلاً: “الانتقام قيمة عظيمة. هناك انتقام عما فعلوه بنا … هذا المكان سيكون أرضًا بورًا. لن يتمكنوا من العيش هنا”.(481)
– جنود الجيش الإسرائيلي: تم تصوير جنود إسرائيليين بالزي الرسمي في 5 (كانون الاول / ديسمبر) 2023 وهم يرقصون ويهتفون ويغنون “لتحترق قريتهم، لتمحى غزة”؛(482) وبعد يومين، في مناسبة منفصلة داخل غزة في 7 (كانون الاول / ديسمبر) 2023، يرقصون ويغنون ويهتفون “نحن نعرف شعارنا: لا يوجد مدنيون غير متورطين” و”لمحو نسل عماليق”.(483)
104. ومن الجدير بالذكر أن الفيديو الثاني للجنود الذين يهتفون بأنه لا يوجد “مواطنون غير متورطين” في غزة وأنهم سيمحون “نسل عماليق” تم تصويره في 7 (كانون الاول / ديسمبر) 2023. بحلول ذلك التاريخ، قُتل 17,177 فلسطينيًا في غزة – وُيقدر أن 70 في المئة منهم نساء وأطفال. كان 7-8 (كانون الاول / ديسمبر) 2023 مدمرًا بشكل خاص للفلسطينيين، مع مقتل 350 شخصًا خلال 24 ساعة – حوالي فلسطيني واحد في غزة يُقتل كل أربع دقائق.(484)
105. هذه الخطابات الإبادية من المسؤولين الحكوميين والعسكريين متفشية أيضًا وشائعة بين أعضاء الكنيست الإسرائيليين غير الوزراء (‘MKs’) الذين دعوا مرارًا وتكرارًا إلى أن يتم “محو” غزة،(485) “تسويتها بالأرض،”(486) “محوها،”(487) و”سحقها… على جميع سكانها”.(488) عبر البرلمانيون علنًا عن استيائهم من أي شخص “يشعر بالأسف” تجاه سكان غزة “غير المتورطين”، مؤكدين مرارًا وتكرارًا أن “لا يوجد غير متورطين،”(489) أن “لا يوجد أبرياء في غزة”،(490) أن “قتلة النساء والأطفال لا يجب فصلهم عن سكان غزة”،(491) أن “أطفال غزة جلبوا هذا على أنفسهم،”(492) وأن “يجب أن يكون هناك حكم واحد للجميع هناك – الموت”.(493) صرح البرلمانيون “يجب ألا ننسى أن حتى ‘المواطنين الأبرياء’ — الناس القساة والوحشيون من غزة شاركوا بنشاط… لا يوجد مجال لأي لفتة إنسانية — يجب الاحتجاج على ذكرى عماليق”،(494) وأن “بدون جوع وعطش بين سكان غزة، لن نتمكن من تجنيد المتعاونين”.(495) دعا البرلمانيون أيضًا إلى “قصف بلا رحمة” من الجو،(496) داعين لاستخدام الأسلحة النووية (“القيامة”)،(497) و “نكبة ستطغى على نكبة 48”.(498)
106. خطاب إبادي مماثل شائع أيضًا في المجتمع المدني الإسرائيلي، حيث تُبث رسائل إبادية بشكل روتيني – دون رقابة أو عقاب – في وسائل الإعلام الإسرائيلية. تدعو التقارير الإعلامية إلى “محو” غزة،(499) تحويلها إلى “مسلخ”،(500) أن “لا يجب القضاء على حماس” بل بالأحرى “يجب أن تُمحى غزة”(501)، على الادعاء المتكرر أن “لا يوجد أبرياء… لا يوجد سكان. هناك 2.5 مليون إرهابي”.(502) دعا مسؤول محلي، حسب التقارير، إلى جعل غزة “مقفرة ومدمرة” مثل متحف أوشفيتز، “لإظهار جنون الشعب الذي عاش هناك”.(503) دعا نواب سابقون إلى مستوى من الدمار يشبه دمار درسدن وهيروشيما،(504) مؤكدين أنه سيكون “غير أخلاقي” عدم إظهار الجيش الإسرائيلي بأنه “انتقامي وقاسي”.(505) في مقابلة إخبارية إسرائيلية، دعا نائب سابق إلى قتل جميع الفلسطينيين في غزة قائلاً:
“أقول لكم، في غزة دون استثناء، جميعهم إرهابيون، أبناء الكلاب. يجب أن يتم القضاء عليهم جميعًا، يجب قتلهم. سنسوي غزة بالأرض، نحولهم إلى غبار، والجيش سينظف المنطقة. ثم سنبدأ ببناء مناطق جديدة، لنا، قبل كل شيء، من أجل أمننا”.(506)
107. تشكل هذه التصريحات من قبل أعضاء بارزين في المجتمع الإسرائيلي – بما في ذلك نواب سابقون ومذيعون إخباريون – تحريضًا واضحًا ومباشرًا وعلنيًا على الإبادة الجماعية، والذي لم يتم التحقق منه أو معاقبته من قبل السلطات الإسرائيلية. أن مثل هذا الشعور يبدو واسع الانتشار ورئيسي في المجتمع الإسرائيلي هو أمر مثير للقلق بشكل خاص، في ظروف حيث الجنود الذين يخدمون في غزة هم في الغالب من الاحتياطيين، ينتمون إلى ومستنيرين من المجتمع المدني.
ه. الاعتراف بنية إسرائيل الإبادية ضد الفلسطينيين
108. كما هو موضح أعلاه، قد أقرت العديد من الدول بشكل صحيح بيانات إسرائيل فيما يتعلق بغزة كمظهر للنية الإبادية. يتشارك هذا التقييم عدد كبير من خبراء الأمم المتحدة الذين حذروا مرارًا وتكرارًا منذ منتصف أكتوبر 2023 على الأقل بأن الشعب الفلسطيني معرض لخطر الإبادة الجماعية من قبل إسرائيل. على سبيل المثال:
— في 19 (تشرين الأول/ أكتوبر) 2023، أطلق تسعة من المقررين الخاصين للأمم المتحدة “جرس الإنذار”، محذرين أن “هناك حملة مستمرة من قبل إسرائيل تؤدي إلى جرائم ضد الإنسانية في غزة. بالنظر إلى التصريحات الصادرة عن القادة السياسيين الإسرائيليين وحلفائهم، إلى جانب العمليات العسكرية في غزة وتصاعد الاعتقالات والقتل في الضفة الغربية، هناك أيضًا خطر الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني”.(507)
— في 27 (تشرين الأول/ أكتوبر) 2023، أكدت لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري أنها “قلقة للغاية بشأن الزيادة الحادة في خطاب الكراهية العنصري وإزالة الإنسانية الموجهة ضد الفلسطينيين منذ 7 (تشرين الأول/ أكتوبر) ، وخاصة على الإنترنت وفي وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك من قبل كبار المسؤولين والسياسيين وأعضاء البرلمان والشخصيات العامة، وخاصة التصريح الصادر في 9 (تشرين الأول/ أكتوبر) من وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غلانت، الذي وصف الفلسطينيين بـ’الحيوانات البشرية’، وهي لغة يمكن أن تحرض على أعمال إبادة جماعية”.(508)
— في 28 (تشرين الأول/ أكتوبر) 2023، استقال مدير مكتب نيويورك للمفوض السامي لحقوق الإنسان (‘OHCHR’)، بعد كتابة بيان استقالة تم تداوله على نطاق واسع ووصف الوضع في غزة بأنه “حالة نموذجية للإبادة الجماعية”.(509)
— في 2 (تشرين الثاني / نوفمبر) 2023، حذر ثمانية من المقررين الخاصين أنهم “مقتنعون بأن الشعب الفلسطيني معرض لخطر شديد من الإبادة الجماعية”. صرح الخبراء أن “الوقت قد حان للعمل”، مؤكدين أن “حلفاء إسرائيل يتحملون المسؤولية أيضًا ويجب عليهم التصرف الآن لمنع مسارها الكارثي للعمل”.(510)
في 16 (تشرين الثاني / نوفمبر) 2023، حذر 15 مقررًا خاصًا للأمم المتحدة و21 عضوًا من مجموعات العمل التابعة للأمم المتحدة من أن “[الانتهاكات الخطيرة التي ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين في أعقاب 7 (تشرين الأول/ أكتوبر)، وخاصة في غزة، تشير إلى إبادة جماعية قيد التنفيذ”.(511) تسلط البيان الضوء على “أدلة التحريض المتزايد على الإبادة الجماعية، والنية الصريحة لـ “تدمير الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال”، والدعوات الصاخبة لـ ‘نكبة ثانية’ في غزة وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة، واستخدام أسلحة قوية ذات تأثيرات عشوائية بطبيعتها، مما أدى إلى حصيلة مروعة من القتلى وتدمير البنية التحتية الحيوية للحياة”. وعبر الخبراء عن “قلقهم العميق… بشأن… فشل النظام الدولي في التعبئة لمنع الإبادة الجماعية”، محذرين من أن “فشل تطبيق وقف إطلاق النار بشكل عاجل يخاطر بتصاعد هذه الحالة نحو إبادة جماعية تُنفذ بوسائل وطرق الحرب في القرن الحادي والعشرين”؛ ودعوا “[المجتمع الدولي، بما في ذلك ليس فقط الدول ولكن أيضًا الجهات الفاعلة غير الحكومية]” إلى “فعل كل ما في وسعه لإنهاء الخطر المباشر للإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني”.(511)

76: في 20 (تشرين الثاني / نوفمبر) 2023، أصدرت المقررة الخاصة للأمم المتحدة بشأن العنف ضد النساء والفتيات، أسبابه وعواقبه، بيانًا تحذيريًا مفاده أن “[منذ 7 (تشرين الأول/ أكتوبر) ، اتخذ الاعتداء على كرامة النساء الفلسطينيات وحقوقهن أبعادًا جديدة ومرعبة، حيث أصبحت الآلاف ضحايا لجرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية متكشفة]” (69). و”أعربت المقررة الخاصة عن قلقها إزاء الخطاب الإبادي والمزيل للإنسانية حول الشعب الفلسطيني، بما في ذلك النساء والأطفال، من قبل كبار مسؤولي الحكومة الإسرائيلية والشخصيات العامة الذين يصفونهم بـ “أطفال الظلام””. وأشارت المقررة الخاصة إلى وصف الفلسطينيين بـ “الحيوانات البشرية” ودعوات لـ “نكبة ثانية” من قبل مسؤولين إسرائيليين، محذرة أن “[مثل هذه التصريحات توضح تمامًا وبشكل متسق نية الحكومة الإسرائيلية لتدمير الشعب الفلسطيني، بأكمله أو جزء منه]” (512).
وفي 8 (كانون الاول / ديسمبر) 2023، قبل التصويت على قرار وقف إطلاق النار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والذي استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض (الفيتو) ضده، أعاد 22 مقررًا خاصًا للأمم المتحدة و28 عضوًا في مجموعات عمل الأمم المتحدة تأكيد بيانهم السابق “الذي يحذر من ارتكاب الإبادة الجماعية” (513).
وفي 21 (كانون الاول / ديسمبر) 2023، كررت لجنة القضاء على التمييز العنصري، في إطار إجراءاتها “للتحذير المبكر والعمل العاجل”، بيانها السابق، وحذرت من “خطاب الكراهية والخطاب المزيل للإنسانية الموجه ضد الفلسطينيين، مما يثير مخاوف شديدة بشأن التزام إسرائيل وغيرها من الدول الأطراف بمنع … الإبادة الجماعية”. دعت اللجنة “جميع الدول الأطراف إلى احترام التزاماتها الدولية بشكل كامل، ولا سيما تلك الناشئة من … اتفاقية الوقاية من جرائم الإبادة الجماعية والعقاب عليها والتعاون لإنهاء الانتهاكات التي تحدث ولمنع … الإبادة الجماعية”. وأشارت اللجنة بشكل مفصل إلى الوضع الجاري في غزة، موضحة أنها “تشعر بقلق بالغ إزاء خطاب الكراهية العنصري، والتحريض على العنف والأفعال الإبادية، فضلاً عن الخطاب المزيل للإنسانية الموجه ضد الفلسطينيين منذ 7 (تشرين الأول/ أكتوبر) 2023 من قبل كبار مسؤولي الحكومة الإسرائيلية، وأعضاء البرلمان، والسياسيين والشخصيات العامة” (514).
109. لقد أدانت منظمة التعاون الإسلامي مراراً وتكراراً الأعمال العسكرية الإسرائيلية في غزة باعتبارها “إبادة جماعية” (515)، كما فعلت المجموعة العربية في الأمم المتحدة (516). وقد دعت الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان إلى وضع حد لـ “الإبادة الجماعية”، بينما دعت اللجنة الدولية للقضاة الدول الثالثة إلى “اتخاذ جميع التدابير المعقولة في إمكانها لمنع الإبادة الجماعية في غزة” (517). كما أدانت المنظمات غير الحكومية الفلسطينية بشدة الإبادة الجماعية، داعيةً المحكمة الجنائية الدولية إلى التحقيق في الجريمة (518). وفي 14 (تشرين الثاني / نوفمبر) 2023، أصدر مجلس المنظمات الفلسطينية لحقوق الإنسان مذكرة إحاطة مفصلة تدعو دولة فلسطين والدول الثالثة إلى التدخل باتخاذ تدابير ملموسة وإجراءات قانونية لمنع الإبادة الجماعية في غزة. يحذر التقرير أنه “[كانت هناك تحذيرات كبيرة من خبراء حقوق الإنسان المستقلين التابعين للأمم المتحدة، فضلاً عن التدابير التي اتخذتها الدول الثالثة، بما في ذلك إزالة بعثاتهم الدبلوماسية من إسرائيل، البعض منها رداً على التصريحات والأعمال الإسرائيلية الإبادية المستمرة. معاً، تضع هذه التحذيرات وإجراءات الدولة المجتمع الدولي من الدول على إشعار، بأن هناك خطرًا حقيقيًا بأن الإبادة الجماعية يتم ارتكابها، أو قد تُرتكب ضد الفلسطينيين في غزة]” (519).
4. مطالب جنوب أفريقيا
110. استنادًا إلى ما سبق، وكذلك الأدلة الإضافية التي ستقدم على مدار هذه الإجراءات، تعتبر جنوب أفريقيا أن سلوك إسرائيل – من خلال أجهزتها الدولة، وعملائها الدوليين، وأشخاص وكيانات أخرى تعمل بتوجيهاتها أو تحت سيطرتها أو تأثيرها – فيما يتعلق بالفلسطينيين في غزة، ينتهك التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، بما في ذلك المواد الأولى، الثالثة، الرابعة، الخامسة والسادسة، قراءةً بالاقتران مع المادة الثانية. تشمل هذه الانتهاكات لاتفاقية الإبادة الجماعية، ولكن لا تقتصر على:
(أ) الفشل في منع الإبادة الجماعية بما يخالف المادة الأولى؛
(ب) ارتكاب الإبادة الجماعية بما يخالف المادة الثالثة (أ)؛
(ج) التآمر لارتكاب الإبادة الجماعية بما يخالف المادة الثالثة (ب)؛
(د) التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية بما يخالف المادة الثالثة (ج)؛
(ه) محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية بما يخالف المادة الثالثة (د)؛
(و) الشراكة في الإبادة الجماعية بما يخالف المادة الثالثة (هـ)؛
(ز) الفشل في معاقبة الإبادة الجماعية، والتآمر لارتكاب الإبادة الجماعية، والتحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية، ومحاولة الإبادة الجماعية، والشراكة في الإبادة الجماعية، بما يخالف المواد الأولى، الثالثة، الرابعة والسادسة؛
(ح) الفشل في سن التشريعات اللازمة لإعطاء تأثير لأحكام اتفاقية الإبادة الجماعية وتوفير عقوبات فعالة للأشخاص المذنبين بالإبادة الجماعية، والتآمر لارتكاب الإبادة الجماعية، والتحريض على الإبادة الجماعية، ومحاولة الإبادة الجماعية، والشراكة في الإبادة الجماعية، بما يخالف المادة الخامسة؛ و
(ط) الفشل في السماح و/أو عرقلة التحقيق بشكل مباشر أو غير مباشر من قبل الهيئات الدولية المختصة أو بعثات تقصي الحقائق بشأن الأعمال الإبادية المرتكبة ضد الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك أولئك الفلسطينيين الذين تم نقلهم بواسطة عملاء أو قوات الدولة الإسرائيلية إلى إسرائيل، كالتزام ضروري ومكمل وفقًا للمواد الأولى، الثالثة، الرابعة، الخامسة والسادسة.
5. الإغاثة المطلوبة
111. مع حفظ الحق في تعديل أو تكملة أو تعديل هذا الطلب، ورهنًا بعرض الأدلة والحجج القانونية ذات الصلة على المحكمة، تطلب جنوب أفريقيا باحترام من المحكمة أن تحكم وتعلن:
(1) أن جمهورية جنوب أفريقيا ودولة إسرائيل كل منهما لها واجب العمل وفقًا لالتزاماتهما بموجب اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية، فيما يتعلق بأعضاء المجموعة الفلسطينية، لاتخاذ جميع التدابير المعقولة في إمكانهما لمنع الإبادة الجماعية؛
(2) أن دولة إسرائيل:
(أ) خرقت وتستمر في خرق التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، وبشكل خاص الالتزامات المنصوص عليها بموجب المادة الأولى، قراءةً مع المادة الثانية، والمواد الثالثة (أ)، الثالثة (ب)، الثالثة (ج)، الثالثة (د)، الثالثة (هـ)، الرابعة، الخامسة والسادسة؛
(ب) يجب أن توقف فورًا أي أعمال وتدابير تخالف تلك الالتزامات، بما في ذلك تلك الأعمال أو التدابير التي قد تكون قادرة على قتل الفلسطينيين أو الاستمرار في قتلهم، أو التسبب أو الاستمرار في التسبب بأذى جسدي أو عقلي خطير لهم أو تعمد فرض ظروف حياة على مجموعتهم، أو الاستمرار في فرض ظروف حياة تهدف إلى إحداث دمارها الجسدي كليًا أو جزئيًا، واحترام التزاماتها بشكل كامل بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، وبشكل خاص الالتزامات المنصوص عليها بموجب المواد الأولى، الثالثة (أ)، الثالثة (ب)، الثالثة (ج)، الثالثة (د)، الثالثة (هـ)، الرابعة، الخامسة والسادسة؛
(ج) يجب أن تضمن معاقبة الأشخاص الذين يرتكبون الإبادة الجماعية، والتآمر لارتكاب الإبادة الجماعية، والتحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية، ومحاولة ارتكاب الإبادة الجماعية والشراكة في الإبادة الجماعية بما يخالف المواد الأولى، الثالثة (أ)، الثالثة (ب)، الثالثة (ج)، الثالثة (د) والثالثة (هـ)، ويتم معاقبتهم من قبل محكمة وطنية أو دولية كفؤة، كما تتطلبه المواد الأولى، الرابعة، الخامسة والسادسة؛
(د) لهذا الغرض وفي سبيل الوفاء بتلك الالتزامات المنبثقة عن المواد الأولى، الرابعة، الخامسة والسادسة، يجب أن تجمع وتحافظ على الأدلة وتضمن، وتسمح و/أو لا تعوق مباشرة أو غير مباشرة جمع وحفظ الأدلة للأعمال الإبادية المرتكبة ضد الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك أعضاء المجموعة المشردين من غزة؛
(ه) يجب أن تؤدي الالتزامات بالتعويض لصالح الضحايا الفلسطينيين، بما في ذلك ولكن لا يقتصر على السماح بعودة الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم بالقوة و/أو اختطافهم إلى منازلهم بشكل آمن وبكرامة، واحترام حقوقهم الإنسانية بالكامل وحمايتهم من مزيد من التمييز والاضطهاد والأعمال ذات الصلة، وتوفير إعادة بناء ما دمرته في غزة، متسقًا مع الالتزام بمنع الإبادة الجماعية بموجب المادة الأولى؛ و
(و) يجب أن تقدم ضمانات وتعهدات بعدم تكرار انتهاكات اتفاقية الإبادة الجماعية، وبشكل خاص الالتزامات المنصوص عليها بموجب المواد الأولى، الثالثة (أ)، الثالثة (ب)، الثالثة (ج)، الثالثة (د)، الثالثة (هـ)، الرابعة، الخامسة والسادسة.
VI. طلب لإجراءات مؤقتة

112. وفقًا للمادة 41 من نظام المحكمة، والمواد 73، 74 و75 من قواعد المحكمة، تطلب جنوب أفريقيا من المحكمة أن تشير إلى إجراءات مؤقتة. وفي ضوء طبيعة الحقوق المعنية، وكذلك الضرر الشديد واللا يمكن إصلاحه الذي يعاني منه الفلسطينيون في غزة، تطلب جنوب أفريقيا من المحكمة معالجة هذا الطلب كمسألة ذات أهمية قصوى.
113. تصف هذه الدعوى حملة عسكرية وحشية بشكل استثنائي من قبل إسرائيل في غزة، والتي هي واسعة النطاق ومستمرة، وتعتزم إسرائيل تكثيفها أكثر (520).
114. شاركت إسرائيل في وفشلت في منع أو معاقبة أعمال وتدابير تعتبر إبادة جماعية، تشكل انتهاكات صارخة لالتزامات إسرائيل بموجب المواد الأولى، الثالثة (أ)، الثالثة (ب)، الثالثة (ج)، الثالثة (د)، الثالثة (هـ)، الرابعة، الخامسة والسادسة من اتفاقية الإبادة الجماعية. كما هو موضح في المواد المقدمة في الطلب، فإن أعمال الإبادة الجماعية المعنية التي تخرق المواد الثانية (أ)، الثانية (ب)، الثانية (ج) والثانية (د)، والتي تستهدف بشكل جماعي الفلسطينيين في غزة تشمل، على سبيل المثال لا الحصر:
(1) قتل الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك نسبة كبيرة من النساء والأطفال – يُقدر أنها تشكل حوالي 70 في المائة من أكثر من 21110 حالات وفاة – بعضهم يبدو أنهم تم إعدامهم بشكل موجز؛
(2) التسبب في أذى جسدي وعقلي خطير للفلسطينيين في غزة، بما في ذلك من خلال البتر، والصدمة النفسية، والمعاملة غير الإنسانية والمهينة؛
(3) التسبب في الإخلاء القسري والتهجير لحوالي 85 في المائة من الفلسطينيين في غزة – بما في ذلك الأطفال وكبار السن والعجزة والمرضى والجرحى – وكذلك التسبب في تدمير واسع النطاق للمنازل الفلسطينية، والقرى، ومخيمات اللاجئين، والبلدات والمناطق بأكملها في غزة، مما يحول دون عودة نسبة كبيرة من الشعب الفلسطيني إلى منازلهم؛
(4) التسبب في الجوع والعطش والمجاعة للفلسطينيين المحاصرين في غزة، من خلال عرقلة المساعدات الإنسانية الكافية، وقطع المياه والغذاء والوقود والكهرباء بشكل كافٍ، وتدمير المخابز والمطاحن والأراضي الزراعية وغيرها من وسائل الإنتاج والعيش؛
(5) الفشل في توفير وتقييد توفير المأوى والملابس والنظافة أو الصحة للفلسطينيين في غزة، بما في ذلك 1.9 مليون شخص نازح داخليًا، أجبرتهم أعمال إسرائيل على العيش في ظروف خطيرة من الفقر، إلى جانب استهداف وتدمير أماكن المأوى بشكل روتيني وقتل وجرح من يلجأون إليها، بما في ذلك النساء والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن؛
(6) الفشل في توفير أو ضمان توفير الاحتياجات الطبية للفلسطينيين في غزة، بما في ذلك تلك الاحتياجات الطبية التي خلقتها أعمال إبادة جماعية أخرى تسببت في أذى جسدي خطير، بما في ذلك من خلال الهجوم المباشر على المستشفيات والإسعافات وغيرها من المرافق الصحية الفلسطينية في غزة، وقتل الأطباء والمسعفين والممرضات الفلسطينيين، بما في ذلك أكثر المسعفين تأهيلاً في غزة، وتدمير وتعطيل نظام الرعاية الطبية في غزة؛
(7) تدمير الحياة الفلسطينية في غزة، من خلال تدمير جامعات غزة ومدارسها ومحاكمها ومبانيها العامة وسجلاتها العامة ومتاجرها ومكتباتها وكنائسها ومساجدها وطرقها وبنيتها التحتية ومرافقها وغيرها من المنشآت الضرورية للحياة المستدامة للفلسطينيين في غزة كمجموعة، إلى جانب قتل مجموعات عائلية كاملة – محو تاريخهم الشفهي في غزة – وقتل أعضاء بارزين ومتميزين من المجتمع.
(8) فرض تدابير تهدف إلى منع الولادات الفلسطينية في غزة، من خلال العنف التناسلي الذي يمارس على النساء الفلسطينيات والرضع والأطفال الصغار.
115. تعتبر الإجراءات المؤقتة ضرورية في هذه الحالة لحماية من الضرر الشديد واللا يمكن إصلاحه لحقوق الشعب الفلسطيني بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، والتي تستمر في الانتهاك دون عقاب. تطلب جنوب أفريقيا من المحكمة أن تشير إلى الإجراءات المؤقتة لحماية والحفاظ على تلك الحقوق فضلاً عن حقوقها الخاصة بموجب الاتفاقية، ولمنع أي تفاقم أو توسع للنزاع، في انتظار تحديد مزايا القضايا المطروحة بواسطة الدعوى.
116. تلاحظ جنوب أفريقيا أن هناك قضايا أخرى ذات صلة لا تشرك بشكل مباشر الالتزامات بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية ولذلك لا تكون ضمن اختصاص المحكمة في هذه الحالة، بما في ذلك العودة العاجلة للرهائن الإسرائيليين والآخرين. تعتبر جنوب أفريقيا أن الإجراءات المؤقتة المطلوبة متسقة وقادرة على المساعدة نحو التقدم وحل تلك القضايا.
أ. الظروف القاهرة تتطلب تحديد إجراءات مؤقتة
117. كما هو موضح أعلاه، وعلى النقيض من المادة الأولى من الاتفاقية، ارتكبت إسرائيل وتواصل ارتكاب أعمال إبادة جماعية محددة في المادة الثانية. تصرفت إسرائيل ومسؤولوها و/أو عملاؤها بنية تدمير الفلسطينيين في غزة، جزء من مجموعة محمية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية. الظروف القاهرة مفصلة بالتفصيل في الطلب، وتشمل أن:
— لا مكان آمن في غزة.
— تقوم إسرائيل بإلقاء قنابل “غبية” وقنابل تزن حتى 2000 رطل (900 كجم) على واحدة من أكثر الأماكن كثافة سكانية في العالم.
— يتم قتل الفلسطينيين في غزة بمعدل شخص تقريباً كل ست دقائق.
— تم قتل ما لا يقل عن 21110 فلسطينيين حتى الآن في غزة، ويُقدر أن 7780 آخرين مفقودين، يُفترض أنهم موتى تحت الأنقاض.
— تم قتل ما يقدر بـ 7729 طفلاً فلسطينياً حتى 12 ديسمبر 2023؛ ويُبلغ عن فقدان ما لا يقل عن 4700 طفل وامرأة آخرين، يُفترض أنهم موتى تحت الأنقاض، مما دفع اليونيسف إلى وصف الهجمات العسكرية الإسرائيلية بأنها “حرب ضد الأطفال”.
— المئات من الفلسطينيين في غزة يصابون يوميًا، العديد منهم بإصابات تغير حياتهم وتهدد حياتهم.
— المستشفيات المحاصرة والمقصوفة لم تعد قادرة على علاج المرضى والجرحى؛ 13 فقط من مستشفيات غزة الـ 36 لا تزال تعمل.
— 1.9 مليون فلسطيني في غزة — ما يقرب من 85 بالمائة من السكان — تم تهجيرهم قسراً من منازلهم.
— يتم تجميع الفلسطينيين في غزة في مناطق أصغر وأصغر دون مأوى كاف، حيث يستمرون في تعرضهم للقصف من قبل إسرائيل.
— تستمر إسرائيل في منع تقديم المساعدات الإنسانية الكافية للفلسطينيين في غزة، بما في ذلك منع وصول الغذاء والماء والمأوى والدواء والمساعدات الطبية بشكل كافٍ.
— الفلسطينيون الضعفاء، بما في ذلك المرضى والعجزة والأطفال والنساء الحوامل معرضون لخطر خاص.
— الأمراض المعدية تنتشر بسرعة.
— خبراء دوليون يحذرون من مجاعة جماعية وشيكة.
118. كما فشلت إسرائيل في منع أو معاقبة: الإبادة الجماعية، والتآمر لارتكاب الإبادة الجماعية، والتحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية، ومحاولة الإبادة الجماعية، والشراكة في الإبادة الجماعية، على النقيض من المواد الثالثة والرابعة من اتفاقية الإبادة الجماعية.
119. تنكر إسرائيل ارتكاب أي أخطاء فيما يتعلق بأنشطتها العسكرية في غزة وتقاوم كل الدعوات من جنوب أفريقيا ومن المجتمع الدولي الأوسع لمنع ووقف ارتكاب الإبادة الجماعية. بدلاً من وقف انتهاكات اتفاقية الإبادة الجماعية، ومنع مثل هذه الانتهاكات ومعاقبة مرتكبيها، واصلت إسرائيل، وصعّدت، وهددت بتصعيد حملتها العسكرية. كما أنها تدمر الأدلة على أخطائها: الهدم الجماعي وإزالة مناطق واسعة من غزة، ومنع عودة الفلسطينيين المشردين داخلياً إلى منازلهم، يثير مخاوف جدية حول تدمير الأدلة وتأثيره على التحقيقات المستقبلية في الجرائم، بما في ذلك الجرائم الأشد خطورة بموجب القانون الدولي. قتل إسرائيل لعدد كبير من الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام الفلسطينيين في غزة — ما لا يقل عن 82 حتى الآن، في كثير من الأحيان إلى جانب أعضاء متعددين من عائلاتهم — جنبًا إلى جنب مع هجماتها على شبكة الاتصالات في غزة، تعرقل الرقابة على أفعال إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة.(521) كذلك، يستمر رفض إسرائيل السماح بالوصول إلى غزة من قبل مقصي الحقائق والصحفيين الأجانب، باستثناء عدد محدود من الصحفيين المسموح لهم بالتضمين مع الجيش الإسرائيلي خاضعين لقيود ورقابة على تقاريرهم. المنظمات غير الحكومية الفلسطينية والمدافعين عن حقوق الإنسان، الذين هم أنفسهم معرضون لخطر الهجوم من قبل الجيش الإسرائيلي، غير قادرين على توثيق في الوقت الفعلي الأعمال الإبادية المتواصلة وغيرها من انتهاكات القانون الدولي التي ترتكبها إسرائيل.
ب. الاختصاص الأولي للمحكمة
120. تمتلك المحكمة السلطة لتحديد الإجراءات المؤقتة “إذا بدت الأحكام التي يعتمد عليها المدعي توفر أساساً يمكن على أساسه تأسيس اختصاصها، ولكن لا يتوجب عليها أن تقنع نفسها بشكل نهائي بأن لديها الاختصاص فيما يتعلق بجوهر القضية”. (522)
121. كما هو موضح أعلاه، يقوم اختصاص المحكمة على المادة 36، الفقرة 1، من نظام المحكمة والمادة التاسعة من اتفاقية الإبادة الجماعية. تنص المادة التاسعة من اتفاقية الإبادة الجماعية:
“النزاعات بين الأطراف المتعاقدة بشأن تفسير أو تطبيق أو تنفيذ الاتفاقية الحالية، بما في ذلك تلك المتعلقة بمسؤولية دولة عن الإبادة الجماعية أو عن أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة، يجب أن تُقدم إلى المحكمة الدولية للعدل بناءً على طلب أي من الأطراف في النزاع.”
122. كلا من جنوب أفريقيا وإسرائيل هما دولتان عضوتان في الأمم المتحدة وطرفان في اتفاقية الإبادة الجماعية. كلاهما قبلا اختصاص المحكمة بموجب المادة التاسعة من اتفاقية الإبادة الجماعية دون أي تحفظ. وبالتالي، هما ملزمان بها.
123. لكي تحدد المحكمة ما إذا كان لديها اختصاص أولي لتحديد الإجراءات المؤقتة، يجب أن تكون المسائل المشتكى منها ذاتها قابلة أولياً “للوقوع ضمن أحكام [الاتفاقية]”، بحيث “النزاع هو نزاع تمتلك المحكمة الاختصاص المناسب للنظر فيه”. (523) يحدد قانون المحكمة أن النزاع هو “اختلاف في نقطة قانون أو حقيقة، تضارب في وجهات النظر القانونية أو المصالح” بين الأطراف. (524) لكي يوجد نزاع، “يجب أن يظهر أن مطالبة طرف ما تعارض بشكل إيجابي من الطرف الآخر”. (525) الطرفان يجب أن “يحملان وجهات نظر متناقضة بوضوح بشأن مسألة أداء أو عدم أداء بعض الالتزامات الدولية”. (526) وجود نزاع هو “مسألة للتحديد الموضوعي من قبل المحكمة؛ إنها مسألة جوهرية، وليست سؤالاً عن الشكل أو الإجراء”. (527) لأغراض تحديد ما إذا كان هناك نزاع بين الأطراف وقت تقديم الطلب، “تأخذ المحكمة في الاعتبار بشكل خاص أي تصريحات أو وثائق تم تبادلها بين الأطراف، فضلاً عن أي تبادلات حدثت في إعدادات متعددة الأطراف. في ذلك، تولي اهتمامًا خاصًا لمؤلف التصريح أو الوثيقة، والمستلم المقصود أو الفعلي لها، ومحتواها”. (528)
124. لأغراض تحديد الإجراءات المؤقتة، لا تُطلب من المحكمة تحديد ما إذا كانت قد حدثت أية انتهاكات لالتزامات إسرائيل بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية. (529) من المهم، كما سبق أن أقرت به المحكمة، “[أن هذا العثور، الذي من شأنه أن يعتمد بشكل خاص على تقييم وجود نية للتدمير، جزئياً أو كلياً، للمجموعة … [الفلسطينية] كما هي، يمكن للمحكمة أن تقوم به فقط في مرحلة فحص جوهر القضية الحالية”. (530) بدلاً من ذلك، “[ما يُطلب من المحكمة القيام به في مرحلة إصدار أمر بالإجراءات المؤقتة هو إقامة ما إذا كانت الأعمال المشتكى منها… قابلة للوقوع ضمن أحكام اتفاقية الإبادة الجماعية”. (531) لا تحتاج المحكمة إلى تحديد أن كل الأعمال المشتكى منها قابلة للوقوع ضمن أحكام الاتفاقية. يكفي أن “بعض الأعمال المزعومة … قابلة للوقوع ضمن أحكام الاتفاقية”. (532)
125. بعض الأعمال التي ادعتها جنوب أفريقيا بوضوح “قابلة للوقوع ضمن أحكام الاتفاقية”. وقد اعتبرت قابلة للوقوع ضمن أحكام الاتفاقية من قبل عدد كبير من الدول وخبراء الأمم المتحدة والهيئات، بما في ذلك لجنة القضاء على التمييز العنصري. (533) وبشكل لاحظ، هي قابلة بوضوح للوقوع ضمن أحكام المادة الثانية (أ)، الثانية (ب)، الثانية (ج) والثانية (د) من الاتفاقية، والتي تشكل كما تفعل: (1) قتل الفلسطينيين في غزة، (2) إلحاق الأذى الجسدي أو العقلي الخطير بهم، (3) الفرض المتعمد لظروف الحياة التي تهدف إلى إحداث تدمير الفلسطينيين في غزة، و(4) فرض تدابير تهدف إلى منع الولادات ضمن المجموعة. فيما يتعلق بالمادة الثانية (ج)، شرحت المحكمة سابقًا هذا على أنه يشمل “طرق التدمير الجسدي، بخلاف القتل، حيث يسعى الجاني في النهاية إلى موت أعضاء المجموعة”. (534) مستشهدة بالقضاء الدولي، أكدت المحكمة أن “هذه طرق التدمير تشمل بشكل خاص حرمان الغذاء، الرعاية الطبية، المأوى أو الملابس، فضلاً عن عدم النظافة، الطرد المنظم من المنازل، أو الإنهاك نتيجة للعمل الزائد أو الإجهاد البدني”. (535) كما حددت المحاكم الدولية هذه الطرق للتدمير: “تعريض المجموعة لنظام غذائي معيشي؛ عدم توفير رعاية طبية كافية … وبشكل عام خلق ظروف من شأنها أن تؤدي إلى موت بطيء مثل نقص الطعام المناسب، الماء، المأوى، الملابس، الصرف الصحي”. (536) حددت المحكمة أيضًا أن النزوح الجماعي القسري قابل للنظر على أنه عمل إبادة جماعية. (537)
المواد المعتمدة في هذا الطلب تشكل أدلة واضحة على خلق إسرائيل لظروف قادرة بوضوح على تشكيل تلك الطرق للتدمير.
126. الأدلة المتعلقة بالتحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية من قبل مسؤولين إسرائيليين وسياسيين وآخرين – كما هو موضح أعلاه – وفشل إسرائيل في معاقبة المسؤولين، قادرة أيضًا بوضوح على الوقوع ضمن أحكام المادة الثالثة والرابعة من الاتفاقية.
127. “العناصر المذكورة أعلاه” تخدم “لإثبات وجود نزاع بين الأطراف أوليًا بخصوص تفسير أو تطبيق أو تنفيذ اتفاقية الإبادة الجماعية”. (538) النزاع يتعلق بخروقات إسرائيل لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، بما في ذلك فشلها في منع وارتكاب الإبادة الجماعية، والتزامات جنوب أفريقيا الخاصة بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية لمنع الإبادة الجماعية، بما في ذلك من خلال اتخاذ إجراءات للتأثير بشكل فعّال على أفعال الأشخاص المحتمل أن يرتكبوا الإبادة الجماعية. (539) وصفت المحكمة طبيعة هذا النزاع كالتالي: “التزامات الدولة بالمنع، والواجب المقابل للعمل، تنشأ في اللحظة التي تعلم فيها الدولة، أو كان يجب عليها أن تعلم بشكل طبيعي، بوجود خطر جاد بأن يتم ارتكاب الإبادة الجماعية. من تلك اللحظة فصاعدًا، إذا كانت الدولة تمتلك وسائل من المحتمل أن تكون لها تأثير رادع على المشتبه فيهم بالتحضير للإبادة الجماعية، أو المشتبه بهم بشكل معقول في حيازة النية لفعل هذا، فإن عليها واجب استخدام هذه الوسائل كما تسمح الظروف”. (540)
128. من الواضح أن للمحكمة اختصاص أولي لتحديد الإجراءات المؤقتة في هذه الحالة كنتيجة لذلك.
ج. الحقوق التي يُطلب حمايتها، طابعها المعقول والعلاقة بين هذه الحقوق والإجراءات المطلوبة
129. تمتلك المحكمة “السلطة لتحديد، إذا اعتبرت أن الظروف تتطلب ذلك، أي إجراءات مؤقتة يجب اتخاذها للحفاظ على الحقوق المتبادلة لكلا الطرفين”، وفقًا للمادة 41 من نظام المحكمة. السلطة للمحكمة لتحديد الإجراءات المؤقتة “لها كهدف الحفاظ على الحقوق المتبادلة المطالب بها من قبل الأطراف في قضية ما، في انتظار [قرار المحكمة] بشأن جوهرها”. (541) وبالتالي “يجب على المحكمة أن تكون مهتمة بالحفاظ على الحقوق التي قد تحكم بها لاحقًا لأي من الطرفين”. (542) في هذه المرحلة من الإجراءات، ومع ذلك، لا يُطلب من المحكمة تحديد ما إذا كانت الحقوق التي تسعى جنوب أفريقيا لحمايتها موجودة بشكل نهائي؛ يجب عليها فقط أن تقرر ما إذا كانت راضية بأن الحقوق المدعى بها من قبل جنوب أفريقيا على الموضوع، والتي تسعى لحمايتها، هي “على الأقل معقولة” (543) أي “مستندة إلى تفسير ممكن” للاتفاقية. (544) هذه الحقوق بوضوح معقولة، بالنظر إلى التصريحات من خبراء الأمم المتحدة والهيئات مفادها أن هناك على الأقل خطر حقيقي للإبادة الجماعية – والذي ينشأ عنه الالتزام بمنع الإبادة الجماعية، وفقًا للمادة الأولى من الاتفاقية، والتي تلزم كل من إسرائيل وجنوب أفريقيا. كما ينشأ عنها الالتزامات الملزمة لإسرائيل بعدم ارتكاب الإبادة الجماعية، ومعاقبة الذين يحرضون بشكل مباشر وعلني على الإبادة الجماعية. (545)
130. لكي تشير المحكمة إلى إجراء واحد أو أكثر من الإجراءات المؤقتة، يجب أن يكون هناك أيضًا علاقة بين الحقوق التي يُطلب حمايتها والإجراء المؤقت المطلوب. (546) توجد علاقة واضحة بين الحقوق التي تدعيها جنوب أفريقيا والإجراءات المؤقتة المطلوبة، والتي ترتبط مباشرة بالحقوق التي تشكل موضوع النزاع.
131. فيما يتعلق بطبيعة الحقوق التي تدعيها جنوب أفريقيا بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، كما أشارت المحكمة مؤخرًا:
“في مثل هذه الاتفاقية لا تمتلك الدول المتعاقدة أي مصالح خاصة بها؛ فهي تمتلك جميعًا مصلحة مشتركة، وهي تحقيق تلك الأهداف السامية التي هي الغاية من وجود الاتفاقية. ونتيجة لذلك، في اتفاقية من هذا النوع لا يمكن الحديث عن مزايا أو عيوب فردية للدول، أو عن الحفاظ على توازن تعاقدي مثالي بين الحقوق والواجبات. توفر الأفكار السامية التي ألهمت الاتفاقية، بفضل الإرادة المشتركة للأطراف، الأساس والمقياس لجميع أحكامها”. (547)
132. وبالنظر إلى “قيمهم المشتركة”، فإن جميع الدول الأطراف في اتفاقية الإبادة الجماعية لها “مصلحة مشتركة لضمان منع أعمال الإبادة الجماعية وأنه، إذا وقعت، لا يتمتع مرتكبوها بالإفلات من العقاب”. (548) كما حددت المحكمة، “هذه المصلحة المشتركة تعني أن الالتزامات المعنية مستحقة من أي دولة طرف لجميع الدول الأطراف الأخرى في الاتفاقية”. (549) نتيجة لذلك، تولد أحكام اتفاقية الإبادة الجماعية “الالتزامات [التي] يمكن تعريفها بأنها ‘التزامات’ بمعنى أن كل دولة طرف لها مصلحة في الامتثال لها في أي حالة معينة”. (550) ونتيجة لذلك، كما أكدت المحكمة مؤخرًا:
“يترتب على ذلك أن أي دولة طرف في اتفاقية الإبادة الجماعية، وليس فقط دولة تأثرت بشكل خاص، قد تستدعي مسؤولية دولة طرف أخرى بهدف تحديد الفشل المزعوم في الامتثال لالتزاماتها، ولإنهاء هذا الفشل”. (551)
133. تسعى جنوب أفريقيا هنا، وفقًا لهذا المصلحة المشتركة، إلى حماية حقوق الفلسطينيين في غزة بشكل عاجل، كأعضاء في مجموعة محمية بموجب الاتفاقية، بما في ذلك حقهم في الوجود كمجموعة وحقهم في الحماية من أعمال الإبادة الجماعية ومخاطرها، من التآمر لارتكاب الإبادة الجماعية، من التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية، من محاولة الإبادة الجماعية، ومن الشراكة في الإبادة الجماعية. تسعى جنوب أفريقيا أيضًا إلى حماية الحقوق التي لديها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية وكذلك الالتزامات التي عليها لمنع الإبادة الجماعية، والتي تعكس الالتزامات للاتفاقية التي يحق لها طلب الامتثال لها من إسرائيل، بما في ذلك التزامات إسرائيل بعدم ارتكاب الإبادة الجماعية، لمنع الإبادة الجماعية، ولمعاقبة الإبادة الجماعية، بما في ذلك أعمال الإبادة الجماعية، التآمر لارتكاب الإبادة الجماعية، التحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية، محاولة الإبادة الجماعية والشراكة في الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين. لقد اعترفت المحكمة سابقًا “بالطابع العالمي لكل من إدانة الإبادة الجماعية والتعاون المطلوب ‘لتحرير البشرية من هذا البلاء البغيض'”. (552)
134. لأغراض تحديد الإجراءات المؤقتة، لا تحتاج المحكمة إلى تحديد بشكل نهائي ما إذا كان الفلسطينيون معرضون لخطر الإبادة الجماعية، أو أنهم يتعرضون لأعمال إبادة جماعية، أو أن إسرائيل تخرق التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية بشكل آخر. بل يكفي أن التزام جنوب أفريقيا بالعمل لمنع الإبادة الجماعية، أو حق جنوب أفريقيا في طلب الامتثال من إسرائيل لالتزاماتها بموجب الاتفاقية بعدم ارتكاب الإبادة الجماعية، ولمنع ومعاقبة الإبادة الجماعية والأفعال المحظورة ذات الصلة بموجب الاتفاقية، يكون “معقول”. (553) وبالمثل، لا يوجد متطلب، قبل منح الإجراءات المؤقتة، للمحكمة لتحديد ما إذا كانت وجود نية إبادة جماعية هو الاستنتاج الوحيد الممكن استخلاصه من المواد المقدمة إلى المحكمة، حيث سيعني هذا المتطلب أن المحكمة تقوم بتحديد بشأن جوهر القضية. لاحظ أن حقيقة وقوع أعمال إبادة جماعية – وعدم منعها أو معاقبتها – في سياق نزاع مسلح أو رداً مزعوماً على هجوم من قبل مجموعة مسلحة، لا تؤثر على ما إذا كانت الحقوق التي تدعيها جنوب أفريقيا بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية “على الأقل معقولة”. (554) وعدم وجود تحديد سابق للإبادة الجماعية من قبل محكمة أو هيئة تقصي الحقائق ليس عائقًا أمام المحكمة للنظر في طلب بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، ناهيك عن طلب تحديد الإجراءات المؤقتة. (555)
135. الحقائق والظروف الموصوفة في هذا الطلب وطلب الإجراءات المؤقتة تؤسس أن الأعمال المشتكى منها – التي ارتكبتها إسرائيل وترتكبها – قادرة على التوصيف على الأقل على أنها “إبادة جماعية” بشكل معقول. يمكن استنتاج النية الخاصة المطلوبة ليس فقط من تصرفات إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة، ولكن أيضًا من تصريحات متكررة واضحة ومزيلة للإنسانية من قبل مسؤولين حكوميين وعسكريين إسرائيليين تجاههم. فعلاً، تم توصيفها بواسطة العديد من رؤساء الدول ومسؤولين حكوميين آخرين وممثلين، وكذلك عدد كبير من خبراء الأمم المتحدة ومختلف المنظمات والمؤسسات الحقوقية الخبراء التي حذرت مرارًا وتكرارًا من أن أفعال إسرائيل تصل إلى أو تشكل خطرًا لإبادة الشعب الفلسطيني. (556) ونتيجة لذلك، الحقوق التي تعتمد عليها جنوب أفريقيا في طلبها لتحديد الإجراءات المؤقتة هي على الأقل “معقولة”. وبالفعل، حمايتها تتوافق مع الغرض والأهداف الكاملة لاتفاقية الإبادة الجماعية.
د. خطر الضرر اللا يمكن إصلاحه والإلحاح
136. للمحكمة “السلطة لتحديد الإجراءات المؤقتة عندما يمكن أن يلحق ضرر لا يمكن إصلاحه بالحقوق التي هي موضوع الإجراءات القضائية أو عندما يمكن أن يترتب على التجاهل المزعوم لمثل هذه الحقوق عواقب لا يمكن إصلاحها”. (557) على وجه الخصوص، للمحكمة السلطة لتحديد الإجراءات المؤقتة “إذا كان هناك إلحاح، بمعنى أن هناك خطر حقيقي ووشيك بأن يلحق ضرر لا يمكن إصلاحه قبل أن تصدر المحكمة قرارها النهائي”. (558) وكما أكدت المحكمة مؤخراً، “يتحقق شرط الإلحاح عندما يمكن للأعمال المحتملة أن تسبب ضرر لا يمكن إصلاحه ‘أن تحدث في أي لحظة’ قبل أن تصدر المحكمة قرارها النهائي في القضية”. (559)
137. لأغراض قرارها بشأن طلب تحديد الإجراءات المؤقتة في قضية تتضمن ادعاءات بانتهاكات لاتفاقية الإبادة الجماعية، “لا يُطلب من المحكمة … تحديد وجود خروقات لاتفاقية الإبادة الجماعية، بل تحديد ما إذا كانت الظروف تتطلب تحديد الإجراءات المؤقتة لحماية الحقوق بموجب هذه الوثيقة”، (560) كما “وجد أنها معقولة”. (561) وكما حكمت المحكمة، هذا لا يتطلب منها “إجراء تحديدات نهائية للحقائق أو النسبة”، و”حق كل طرف في … تقديم الحجج فيما يتعلق بالجوهر، يجب أن يظل غير متأثر بقرار المحكمة” بشأن طلب تحديد الإجراءات المؤقتة. (562)
138. عند تقييم ما إذا كان شرط الإلحاح مستوفى في القضايا التي تتضمن ادعاءات بالإبادة الجماعية في سياق نزاع مستمر، تأخذ المحكمة في الاعتبار ما إذا كانت السكان المعرضون للخطر هم بشكل خاص ضعفاء، وهشاشة الوضع العام، بما في ذلك احتمالية وخطر تكرار الضرر. تعتبر المحكمة السكان المدنيين “ضعفاء بشكل كبير” حيث أدت العمليات العسكرية “إلى وفاة وإصابة عديدة بين المدنيين” و”تسببت في أضرار مادية كبيرة، بما في ذلك تدمير المباني والبنية التحتية”، وحيث “الهجمات مستمرة وتخلق ظروف معيشة أكثر صعوبة للسكان المدنيين”. (563) عند تحديد الإجراءات المؤقتة، أخذت المحكمة في الاعتبار عدم وصول العديد من الأفراد إلى “المواد الغذائية الأساسية، المياه الصالحة للشرب، الكهرباء، الأدوية الأساسية أو التدفئة”، (564) ومحاولات “عدد كبير جدًا من الأشخاص … الفرار من المدن الأكثر تضررًا تحت ظروف غير آمنة للغاية”. (565) كما أخذت المحكمة في الاعتبار العوامل التالية، التي أثارتها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، لتكون ذات صلة مادية في تقييم ما إذا كان شرط الإلحاح مستوفى في القضايا التي تتضمن ادعاءات بالإبادة الجماعية: “الهجمات على المرافق المدنية مثل السكن والمدارس والمستشفيات، والضحايا المدنيين، بما في ذلك النساء وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة والأطفال”؛ “مقياس” العمليات العسكرية، بما في ذلك مقارنتها بالنزاعات الأخرى، “الوضع الإنساني المتدهور” في أراضي ما، و”زيادة عدد النازحين داخليًا واللاجئين المحتاجين للمساعدة الإنسانية”. (566) وبالمثل، أخذت المحكمة في الاعتبار النتائج التي توصلت إليها بعثة تقصي الحقائق، مع الأخذ في الاعتبار عوامل مثل “التجريد المنهجي لحقوق الإنسان”، “الروايات والخطابات المزيلة للإنسانية”، “التخطيط المنهجي”، “القتل الجماعي”، “التهجير الجماعي”، “الخوف الجماعي”، “مستويات الوحشية الساحقة، جنبًا إلى جنب مع الدمار المادي لمنازل السكان المستهدفين، بكل معنى وعلى كل مستوى”. (567)
139. كما شددت المحكمة، فإن الدول الأطراف في اتفاقية الإبادة الجماعية “أكدت صراحةً استعدادها لاعتبار الإبادة الجماعية جريمة بموجب القانون الدولي يجب عليهم منعها ومعاقبة الفاعلين فيها بغض النظر عن السياق ‘السلمي’ أو ‘الحربي’ الذي تقع فيه”. (568) وبالتالي، تظل الدولة ملزمة بالالتزامات الملقاة على عاتقها كطرف في اتفاقية الإبادة الجماعية، بغض النظر عن “حقيقة وجود … نزاع … بين مجموعات مسلحة و… الجيش”. (569) هذا السياق “لا يقف في طريق تقييم المحكمة لوجود خطر حقيقي ووشيك بالضرر اللا يمكن إصلاحه للحقوق المحمية بموجب الاتفاقية”. (570)
140. عندما تكون هناك انتهاكات سابقة قد وقعت، وجدت المحكمة أن الإجراءات المؤقتة مناسبة عندما “ليس من غير المعقول” أن تحدث مرة أخرى. (571) كما أمرت المحكمة بالإجراءات المؤقتة في ظروف “غير مستقرة ويمكن أن تتغير بسرعة”، مع “التوتر المستمر وعدم وجود تسوية شاملة للنزاع” الأمر الذي يعني أن المجموعة المتأثرة تظل ضعيفة. (572) وبالتالي، لن يكون لأي وقف لإطلاق النار يتم الاتفاق عليه أو أي أعمال أخرى من قبل إسرائيل التي يمكن اعتبارها قادرة على تحسين الظروف للفلسطينيين على المدى القصير أي تأثير حاسم ولن يؤثر على جدارة أو إلحاح حجج جنوب أفريقيا.
141. هناك خطر واضح بالضرر اللا يمكن إصلاحه لحقوق الفلسطينيين ولحقوق جنوب أفريقيا الخاصة بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية. الإلحاح الشديد للوضع واضح ذاتيًا: الفلسطينيون عانوا ويعانون من ضرر لا يمكن إصلاحه من الأعمال الإبادية التي ترتكبها إسرائيل بمخالفة المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية، ومن انتهاكات إسرائيل الأخرى للاتفاقية، بما في ذلك فشلها في منع أو معاقبة التحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية. إذا ظلت هذه الانتهاكات لاتفاقية الإبادة الجماعية دون رادع، فليس هناك فقط خطر بل يقين من المزيد من الخسائر البشرية والممتلكات الكبيرة واللا يمكن إصلاحها، والإصابات الخطيرة وأزمة إنسانية متعمقة أكثر. كما ستتأثر بشكل خطير فرصة جمع وحفظ الأدلة لمرحلة الجوهر في الإجراءات، إن لم تفقد تمامًا.
142. حتى تاريخ هذا الطلب، تم قتل حوالي 21110 فلسطينيين في غزة، بما في ذلك ما لا يقل عن 7729 طفلاً. أصيب 55243 فلسطينيًا، بما في ذلك ما لا يقل عن 8663 طفلاً، أكثر من 1000 منهم بترت أطرافهم، وتم تعطيلهم مدى الحياة. يُقال إن حوالي 70 في المائة من القتلى هم من النساء والأطفال. تم قتل طفل فلسطيني في غزة تقريبًا كل 15 دقيقة منذ بدء إسرائيل العمليات العسكرية في غزة في 7 (تشرين الأول/ أكتوبر) 2023. الآلاف آخرون مفقودون تحت الأنقاض.
تضررت 61 مستشفى ومرفق رعاية صحية في غزة أو تم تدميرها؛ العديد منها تم وضعها تحت الحصار أو تعرضت للإخلاء القسري، ولا تزال 13 مستشفى تعمل جزئيًا فقط، مثقلة بالاكتظاظ الشديد. تم قتل 311 من العاملين في مجال الصحة، العديد منهم أثناء العمل، مما يعني أن العديد من الجرحى، بما في ذلك الأطفال المصابين بجروح خطيرة، لا يمكنهم الوصول إلى الرعاية الصحية. يتعين على حوالي 5500 امرأة إنجاب أطفالهن في ظروف غير آمنة كل شهر. يموت الأطفال من أسباب يمكن الوقاية منها: بالإضافة إلى الأمراض وسوء التغذية، توفي الأطفال الخدج بسبب نقص الوقود لتشغيل مولدات المستشفيات؛ ووجد آخرون متحللين في أسرتهم المستشفية، بعد أن اضطر الطاقم الطبي للإخلاء. تضررت أو دمرت أكثر من 60 في المائة من المنازل في غزة. تم تدمير مناطق شاسعة من غزة، بما في ذلك قرى بأكملها ومخيمات للاجئين وبلدات ومدن أصبحت أو يتم تحويلها عمدًا إلى مناطق غير صالحة للسكن. جعلت إسرائيل الاستجابة الإنسانية مستحيلة مع القصف المستمر، بما في ذلك الطرق الآمنة. 1.9 مليون شخص، ما يقرب من 85 في المائة من السكان، نازحون، بما في ذلك كبار السن والجرحى وذوي الاحتياجات الخاصة، يعيشون في خيام مؤقتة، يفتقرون إلى الصرف الصحي أو الماء بشكل كافٍ، في مدارس الأمم المتحدة ومع الأقارب. يواجه السكان بأكملهم المجاعة: 93 في المائة من سكان غزة يواجهون مستويات أزمة من الجوع، مع أكثر من واحد من كل أربعة يواجهون “ظروف كارثية” – مع وجود الموت وشيك. وعلى خلفية ذلك، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي في 25 (كانون الاول / ديسمبر) 2023: “لن نتوقف، نحن مستمرون في القتال ونحن نعمق القتال في الأيام القادمة، وهذه ستكون معركة طويلة وهي ليست قريبة من الانتهاء”. (573) الظروف لا يمكن أن تكون أكثر إلحاحًا.
143. 2.3 مليون فلسطيني في غزة، بما في ذلك أكثر من مليون طفل، هم في غاية الضعف. هناك تهديد خطير لوجودهم. هم في حاجة ماسة وشديدة إلى حماية المحكمة. مع كل يوم يستمر فيه الهجوم العسكري الإسرائيلي، يتم التسبب في المزيد من الخسائر البشرية والممتلكات الهامة، وترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. لا يوجد شك في أن المتطلبات لتحديد الإجراءات المؤقتة مستوفاة هنا
ه. الإجراءات المؤقتة المطلوبة
144. على أساس الحقائق المذكورة أعلاه، تطلب جنوب أفريقيا، كدولة طرف في اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية، من المحكمة، كمسألة ذات أهمية قصوى، وفي انتظار تحديد المحكمة لهذه القضية على الجوهر، أن تشير إلى الإجراءات المؤقتة التالية فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني كمجموعة محمية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية. هذه الإجراءات مرتبطة مباشرة بالحقوق التي تشكل موضوع نزاع جنوب أفريقيا مع إسرائيل:
(1) يجب على دولة إسرائيل تعليق عملياتها العسكرية في غزة وضدها على الفور.
(2) يجب على دولة إسرائيل ضمان عدم اتخاذ أي وحدات عسكرية أو مسلحة غير نظامية قد تكون تحت إدارتها، أو تدعمها أو تؤثر عليها، وكذلك أي منظمات وأشخاص قد يكونون خاضعين لسيطرتها أو إدارتها أو تأثيرها، أي خطوات تتعلق بمواصلة العمليات العسكرية المشار إليها في النقطة (1) أعلاه.
(3) يجب على جمهورية جنوب أفريقيا ودولة إسرائيل، كل منهما وفقًا لالتزاماتهما بموجب اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية، فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني، اتخاذ جميع التدابير المعقولة ضمن سلطتهما لمنع الإبادة الجماعية.
(4) يجب على دولة إسرائيل، وفقًا لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية، فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني كمجموعة محمية بموجب اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية، الكف عن ارتكاب أي وكل الأعمال التي تقع ضمن نطاق المادة الثانية من الاتفاقية، وبشكل خاص:
(أ) قتل أعضاء المجموعة؛
(ب) التسبب في أذى جسدي أو عقلي خطير لأعضاء المجموعة؛
(ج) التعمد بفرض ظروف حياة على المجموعة تهدف إلى إحداث دمارها الجسدي جزئيًا أو كليًا؛ و
(د) فرض تدابير تهدف إلى منع الولادات ضمن المجموعة.
(5) يجب على دولة إسرائيل، وفقًا للنقطة (4)(c) أعلاه، فيما يتعلق بالفلسطينيين، الكف عن، واتخاذ جميع التدابير ضمن سلطتها بما في ذلك إلغاء الأوامر ذات الصلة، للقيود و/أو الحظر لمنع:
(أ) الطرد والتهجير القسري من منازلهم؛
(ب) حرمانهم من: (i) الوصول إلى الغذاء والماء الكافي؛ (ii) الوصول إلى المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الوصول إلى الوقود والمأوى والملابس والنظافة والصحة؛ (iii) المواد الطبية والمساعدات؛ و
(ج) تدمير الحياة الفلسطينية في غزة.
(6) يجب على دولة إسرائيل، فيما يتعلق بالفلسطينيين، ضمان عدم ارتكاب جيشها، وكذلك أي وحدات مسلحة غير نظامية أو أفراد قد يكونوا تحت إدارتها أو دعمها أو تأثيرها بأي شكل وأي منظمات وأشخاص قد يكونون خاضعين لسيطرتها، أي أعمال موصوفة في (4) و (5) أعلاه، أو الانخراط في التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية، التآمر لارتكاب الإبادة الجماعية، محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية، أو الشراكة في الإبادة الجماعية، وإلى الحد الذي يشاركون فيه، يجب اتخاذ خطوات نحو معاقبتهم وفقًا للمواد الأولى، الثانية، الثالثة والرابعة من اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية.
(7) يجب على دولة إسرائيل اتخاذ تدابير فعالة لمنع تدمير وضمان الحفاظ على الأدلة المتعلقة بادعاءات الأعمال ضمن نطاق المادة الثانية من اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية؛ ولهذا الغرض، يجب على دولة إسرائيل عدم العمل على إنكار أو تقييد الوصول بأي شكل من قبل بعثات تقصي الحقائق، الولايات الدولية والهيئات الأخرى إلى غزة للمساعدة في ضمان الحفاظ على والاحتفاظ بتلك الأدلة.
(8) يجب على دولة إسرائيل تقديم تقرير إلى المحكمة عن جميع التدابير المتخذة لتنفيذ هذا الأمر خلال أسبوع واحد، اعتبارًا من تاريخ هذا الأمر، وبعد ذلك بفترات منتظمة كما تأمر المحكمة، حتى يتم إصدار قرار نهائي عن القضية من قبل المحكمة.
(9) يجب على دولة إسرائيل الامتناع عن أي عمل وضمان عدم اتخاذ أي إجراء قد يفاقم أو يمد النزاع أمام المحكمة أو يجعل حله أكثر صعوبة.
145. الإجراءات المؤقتة المطلوبة مرتبطة مباشرة بالحقوق التي تشكل موضوع النزاع. (574) وبشكل خاص، تم طلب الإجراءات المؤقتة الستة الأولى لضمان

النص العربي الكامل لدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في العدل العليا 

مقالات ذات صلة

إغلاق