أخبار
الانتخابات البرلمانية ومستقبل الديمقراطي
إلى أين تتجه مصر في طريقها نحو الديمقراطية؟ سؤال يتردد في أذهان المراقبين للشأن المصري، وذلك في ضوء الاستعداد للانتخابات البرلمانية المزمع بدء جولتها الأولى في التاسع من نوفمبر المقبل. ومرد هذا التساؤل أن الانتخابات التشريعية المقبلة قد تعد بالفعل الاختبار الحقيقي لمدى نضج التجربة الديمقراطية في مصر، نظرا لاتساع حجم التمثيل النيابي، وارتفاع درجة المنافسة بين الأطراف المختلفة، فضلاً عن تطبيق الإشراف القضائي الكامل على جميع مراحل العملية الانتخابية.
وللتعرف على موقف القوى السياسية المختلفة في الانتخابات المقبلة، يجدر الرجوع قليلاً إلى الوراء للتعرف على موقف هذه القوى عشية الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت عام 2000. فقد شهدت تلك الانتخابات تراجعاً واضحاً للحزب الحاكم (الحزب الوطني الديمقراطي) في مواجهة “ظاهرة” المرشحين المستقلين، ولم يحصد أنصار الحزب سوى 172 مقعداً من إجمالي مقاعد البرلمان المنتخبة البالغ عددها 444 مقعداً (يتم تعيين عشرة أعضاء آخرين ليصل عدد المقاعد جميعها إلى 454) أي ما نسبته 38.7 بالمائة فقط من المقاعد ولم ينقذه من هذا الوضع الحرج سوى انضمام المستقلين له بعد انتهاء الانتخابات، الذين بلغ عددهم 216 عضوا آنذاك. وهو ما اعتبر مؤشراً قوياً على مدى الضعف والتهرؤ الذي أصاب الحزب، خصوصاً على المستويات القاعدية، ونبه قيادات الحزب إلى ضرورة الدخول فوراً في عملية تطوير هيكلية لبنية الحزب وشخوصه.
على أن المنافسة في تلك الانتخابات كانت محصورة بالأساس بين الحزب الوطني والمستقلين وليس أحزاب المعارضة التي لم تحصد سوى 17 مقعداً، أو ما نسبته 3.7 بالمائة من إجمالي المقاعد، حصل منها حزب الوفد، أحد أكبر الأحزاب المصرية، على 7 مقاعد وحزب التجمع على 6 مقاعد، والحزب الناصري على 3 مقاعد وحزب الأحرار على مقعد واحد، في حين لم تحصل بقية الأحزاب الأحد عشر آنذاك على أي مقعد.حصلت جماعة الإخوان المسلمين المحظورة على 17 مقعد ولكن كمرشّحين مستقلين وليس كحزب. وضعف تمثيل المعارضة قلل كثيراً من حجم التجربة الديمقراطية، وينبئ بإمكانية تكرار هذا الأمر في الانتخابات المقبلة.
قد يبدو الأمر مختلفاً بعض الشيء في انتخابات برلمان 2005، خصوصاً فيما يتعلق بشكل المنافسة السياسية، خصوصاً بعد تدشين “الجبهة الوطنية للتغيير” التي تتألف من مجموعةأحزاب (الوفد والتجمع والناصري) وقوى سياسية معارضة (الإخوان المسلمون وحركة كفاية والتجمع الوطني وحركة الحرية الآن) فضلاً عن حزبين تحت التأسيس هما الوسط والكرامة. بيد أنه قد لا يختلف كثيراً فيما يخص شكل التركيبة البرلمانية المتوقعة. فالحزب الوطني ورغم أخطاء التجربة الماضية في انتخابات 2000، يحاول الآن شحذ قواه “القاعدية” عبر تعديل نظامه الأساسي ولائحته الداخلية، بحيث يجري اختيار مرشحيه لخوض الانتخابات التشريعية من خلال أسلوب “المجمع الانتخابي” كدليل على ديمقراطية الحزب الداخلية، ويسعى للاستفادة من حال “التزاوج” بين الحزب وأجهزة الدولة لإغراء الناخبين بالتصويت لصالح مرشحي الحزب. وهو ما قد يمكنه من تحقيق نسبة فوز تتراوح ما بين 70-80 بالمائة من مقاعد البرلمان إذا ما تحالف معه المستقلون.
ولا يختلف الحال كثيراً بالنسبة لأحزاب المعارضة الرئيسية (الوفد والتجمع والناصري)، فبالرغم من اتفاق الأحزاب الثلاثة على تشكيل ائتلاف للمعارضة لخوض الانتخابات البرلمانية بالإضافة إلى الحركة المصرية من أجل التغيير “كفاية”، إلا أن ذلك لا يعد مؤشراً على إمكانية تحول تفضيلات الناخبين باتجاه برامج مرشحي المعارضة، وهو ما دلت عليه الانتخابات الرئاسية التي خسر فيها حزب الوفد، أحد أهم الأحزاب المصرية، بشكل مهين في مواجهة مرشح الحزب الوطني وحل ثالثاً بعد مرشح حزب الغد “الناشئ” أيمن نور. فضلاً عن عدم قدرة الجبهة على وضع قائمة مرشحين موحدة لدخول الانتخابات، ذلك أن هناك قائمة للجبهة وأخرى منفصلة للإخوان المسلمين الذين آثروا الحفاظ على هويتهم والدخول بشعاراتهم المعتادة مثل “الإسلام هو الحل”.
من الصعب أيضا أن يتقدم ائتلاف المعارضة بقائمة مرشحين تغطي كافة الدوائر الانتخابية البالغ عددها 222 دائرة انتخابية، وهو ما أكده حسين عبد الرازق الأمين العام لحزب التجمع حين أعلن اعتزام الائتلاف تقديم 150 مرشحاً لخوض الانتخابات البرلمانية. في حين لا يحظى حزب الغد، وهو الوافد الجديد للحياة السياسية المصرية، بفرص حقيقية في منافسة الحزب الوطني، إلا بقدر ما يمكنه اللجوء إلى أساليب غير قانونية مثل شراء الأصوات، أو اللعب على وتر الاستياء من الحزب الحاكم.
كذلك فإن ثمة معوقات بيروقراطية وإجرائية تحول دون تغير المعادلة السياسية في البرلمان لصالح المعارضة على غرار ما جرى في انتخابات 1987 التي حصد ائتلاف المعارضة فيها 100 مقعد، لعل أهمها، الاعتماد على أسلوب الانتخاب الفردي بدلاً من القائمة الحزبية في إجراء الانتخابات، وهو ما يقلل عملياً من فرص مرشحي الأحزاب، ويزيد من فرص المرشحين المستقلين.فضلاً عن الأخطاء التي تشوب كشوف الناخبين والتي تتكرر عشية أي انتخابات تجري في مصر.
وفي ضوء ما سبق يمكن تلخيص أهم الملامح التي قد تسفر عنها الانتخابات البرلمانية المقبلة:
– من غير المتوقع أن تتغير الخريطة الحزبية داخل البرلمان القادم عن سابقاتها، قد يقل تمثيل الحزب الوطني، خصوصاً في ظل حال الانشقاق التي دبت في أوصاله عقب تجاهله لأكثر من 2500 عضو تقدموا بالترشيح للمجمع الانتخابي ولم يقع عليهم اختيار الحزب لخوض الانتخابات التشريعية. ولكن من غير المحتمل أن يفقد “الوطني” أغلبيته المعهودة، في حين قد يُسمح بزيادة مقاعد المعارضة، ولكن في حدود عدم تهديدها للوضع القوي للحزب الوطني داخل البرلمان.
– ارتفاع التمثيل النسبي لجماعة الإخوان المسلمين، ولكن بشرط عدم تراجع النظام المصري عن حال الانفتاح والمرونة في التعاطي مع أعضاء الجماعة، حيث جرت العادة أن تتم عمليات دهم واعتقال لناشطي الجماعة ومرشحيهم قبل أي عملية انتخابية تجري في البلاد.
– ارتفاع نسبة المستقلين خلال الحملات الانتخابية، مع احتمالات اندماجهم بعد الفوز في الحزب الوطني كما حدث في الانتخابات البرلمانية السابقة.
– لن يسمح النظام بوجود تكتل للمعارضة والمستقلين داخل البرلمان يتعدى حاجز الـ100 مقعد، وذلك درءاً لقيام أي مرشح مستقل بمنافسة مرشح الحزب الحاكم في الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2011. ذلك أن تعديل المادة 76 من الدستور المصري يشترط حصول أي مرشح مستقل يرغب في المنافسة على منصب الرئيس على 250 توقيعاً من أعضاء المجالس المحلية والشعبية منها 100 توقيع من أعضاء مجلس الشعب.