أخبار
قصة صفقة القرن السعودية الأميركية
بعد تأثر العلاقات #السعودية الأميركية بمواقف الرياض النفطية واتفاقاتها العسكرية والأمنية والتجارية الضخمة مع الشرق والجنوب وأوروبا، وبعد مصالحتها مع إيران برعاية الصين، وتصفيرها للصراعات “المفتعلة” و”المرسومة” غربياً مع جيرانها، عرضت واشنطن على الرياض إطاراً شاملاً لعلاقات آمنة ومثمرة معها.
بدأ العرض باتفاقية أمنية جديدة تحلّ بدلاً من الاتفاقية التاريخية السابقة التي تؤمن مصادر ومسارات توريد الطاقة التي تجاوز عمرها ثمانين عاماً وتجاوزتها التحوّلات في سوق الطاقة الأميركي وعدم اعتماديته على نفط الشرق الأوسط، وفي السياسة السعودية التي انتقلت إلى منطقة الحياد الإيجابي وبناء شراكاتها الدولية المتنوّعة على أساس المصالح المشتركة، الثنائية والجماعية.
ما دفع إدارة الرئيس بايدن إلى طرح هذا العرض بهذه الحماسة كان انتقال الرياض إلى مرحلة متقدّمة من التحليق بعيداً عن الأسواق والمصالح والسياسات الأميركية. وتجلى ذلك في رفض المملكة تلبية حاجته الملحة لرفع إنتاج النفط وخفض سعره، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، ومطالبته بإنهاء عضوية روسيا في أوبك بلس، وتطبيق العقوبات الغربية عليها بما في ذلك منع استخدام الأجواء السعودية لمرور الطيران الروسي.
وضاعف المخاوف الأميركية دعوة الرياض لعضوية تحالف بريكس وإعلان بكين عن التبادل التجاري مع المملكة بالعملات المحلية، بما في ذلك أسعار الطاقة، والكشف عن تعاون واسع النطاق في مجالات متقدمة كالفضاء والذكاء الاصطناعي والطاقة المستدامة، إضافةً إلى العقود العسكرية والصناعية التي تتضمّن المشاركة في البحث والتطوير ونقل التقنية وتوطين المحتوى. كل ذلك في إطار احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشأن الداخلي.
جاء العرض الأميركي أيضاً لطمأنة الرياض بعد التراخي في توفير الأسلحة الدفاعية لحماية مدنها ومنشآتها الحيوية من الصواريخ والمسيّرات الميليشياوية الإيرانية، بل والتخادم السري والعلني مع إيران وعملائها في المنطقة والسعي لإحياء الاتفاق النووي. وفي المقابل، تجميد أو تأجيل تنفيذ صفقات أسلحة للرياض، مدفوعة الثمن، كأسلوب ضغط لتنفيذ المطالب.
فمن المنظور السعودي، لم تعد واشنطن في الألفية الثانية ما كانت عليه في القرن الماضي. ولا يمكن الاعتماد عليها كحليف استراتيجي مضمون، ولا الركون إلى تعهداتها الأمنية. وبات على الرياض تنويع مصادر سلاحها وشراكاتها الاقتصادية والأمنية والسياسية، وتقديم مصالحها وأشقائها على غيرها.
ويساعدها في ذلك تطوّر قدراتها في مختلف المجالات والترحيب الواسع بها في عواصم الأقطاب العالمية الكبرى.
قبلت السعودية العرض الأميركي الجديد من حيث المبدأ وفاوضت على شروطها ومنها تزويدها بأسلحة متقدّمة بنفس مواصفات الجيش الأميركي، مثل الطائرات الشبحية بطيّار وبدون، والصواريخ الفرط صوتية، والرادارات المحمولة جواً.
وأضافت إلى قائمة المطالب احتياجاتها الأخرى، ومن ذلك مشروعها لإنتاج الطاقة النووية السلمية. فأراضيها تحوي سادس احتياطات عالمية من معدن اليورانيوم. وهي لا تريد فقط استخراجه، بل تخصيبه محلياً أيضاً. وتحتاج إلى التقنية الأميركية لتحقيق ذلك بإشراف وكالة الطاقة الذرية العالمية.
كذلك اشترطت توطين الصناعات المتقدمة، وتزويدها بالشرائح والحاسبات الخارقة السرعة، ودعم مراكزها لتطوير وتعريب الذكاء الاصطناعي. وطالبت باتفاقيات تجارية واستثمارية تدعم رؤيتها التنموية لتنويع مصادر الدخل الوطني وتقليل الاعتماد على النفط. مع التمسّك باتفاقياتها مع القوى العظمى مثل الصين وروسيا.
لكي تستجيب أميركا لكل هذه المطالب والشروط، ولكي تمررها عبر الجهات التشريعية، ويوافق عليها نواب وشيوخ الكونغرس والإعلام والقوى الموالية لإسرائيل في الدولة العميقة، أضافت واشنطن شرط التطبيع مع إسرائيل.
لم ترفض الرياض، بل رحّبت ولكن بعد أن تقبل تل أبيب بالمبادرة السعودية التي تبنّتها القمّة العربية في بيروت عام 2002 وتقوم على قرارت مجلس الأمن والاتفاقيات التي رعتها أميركا في أوسلو وكامب دايفيد بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
عادت الكرة إلى ملعب تل أبيب وضغطت إدارة بايدن على حكومة نتنياهو لقبول الصفقة مقابل توفير ضمانات لأمن إسرائيل. وبدا أن هناك تقدماً في المفاوضات. ثم توقف كل شيء بعد “غزوة ٧ أكتوبر” التي أرادت إيران بها تخريب مشروع السلام والحلف السعودي الأميركي.
اليوم، لم تعد أكثر حكومة إسرائيلية تطرّفاً عقائدياً وسياسياً وإرهابياً بوارد القبول بقيام دولة فلسطينية مستقلة والمضيّ قدماً مع أي مفاوضات حول صفقة تطبيع تنصّ على انسحابها من غزة وتسليمها للسلطة الفلسطينية والقبول بخريطة طريق موثقة تضمن تنفيذ بنود المبادرة العربية. فقدت وجدت أخيراً العذر الذي تحتاج إليه لرفض تريده.
لا تزال المفاوضات بين الرياض وواشنطن مستمرة لتنفيذ الشق الثنائي من المشروع، وقد وصلا لتحقيق نسبة 90% منه حسب تصريحات المسؤولين في الدولتين. ولكن السؤال هو: ماذا لو تم التوصل إلى الاتفاق النهائي، هل سيتم التنفيذ فوراً على أساس التزام السعودية بالتطبيع عندما تقبل إسرائيل بشروطها؟ أم ينتظر الاتفاق الثنائي الموافقة الإسرائيلية على الشروط السعودية؟
الرياض ليست على عجل، ولن تنفذ أيّاً من المطالب الأميركية أو تنصرف عن مشروعها لتوسيع دائرة الشراكات الدولية المتعددة الأقطاب. وأميركا لن تحصل على المزيد من الاستثمارات والصفقات السعودية. وعندما تكون جاهزة للمضيّ قدماً ستكون الرياض على أهبة الاستعداد.
المصدر : النهار