على مدار قرون عدّة، مثلت فنلندا جزءا من أراضي مملكة السويد التي امتدت حدودها لتغطي مطلع القرن التاسع عشر نسبة هامة من مناطق شمال بحر البلطيق. لكن بحلول يوم 17 أيلول/سبتمبر 1809، تغيّر الوضع بالنسبة لمملكة السويد. فبينما عاش السويديون على وقع أحد أسوأ أيامهم، ابتهج الفنلنديون عقب توقيع اتفاقية فريدريكسهامن (Fredrikshamn) التي جاءت لتنهي الحرب الروسية السويدية ما بين عامي 1808 و1809 وتضم مناطق فنلندا الحالية لروسيا.
موافقة نابليون على مهاجمة السويد
ومن غرائب التاريخ، حصلت الإمبراطورية الروسية حينها بقيادة القيصر ألكسندر الأول على أراضي فنلندا عقب هزيمة عسكرية تلقتها على يد الفرنسيين. فعلى إثر فشل التحالف الأوروبي الرابع، الذي كانت روسيا ضمنه، المشكل ضد الإمبراطورية الفرنسية، أجبر القيصر الروسي ألكسندر الأول (Alexander I) على الجلوس إلى طاولة المفاوضات للحديث عن شروط السلام مع الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت.
وعقب توقيع اتفاقية تيلسيت (Tilsit) مع الجانب الفرنسي، وافق ألكسندر الأول على الانضمام لنابليون بونابرت في حصاره القاري المفروض ضد البريطانيين متخليا بذلك عن حليفه التجاري السابق. وأملا في تطبيق الحصار القاري بكامل أرجاء أوروبا، منح نابليون بونابرت الإمبراطورية الروسية حق التدخل العسكري ضد مملكة السويد التي رفضت لأكثر من مرة الامتثال لمطالب الإمبراطور الفرنسي عن طريق إنهاء أنشطتها التجارية مع الجانب الإنجليزي.
من جهة ثانية، تميّز الملك السويدي غوستاف الرابع أدولف (Gustav IV Adolf) بعدائه الشديد لنابليون بونابرت حيث صنّف ملك السويد الإمبراطور الفرنسي كعدو وانتقد مرات عدّة الثورة الفرنسية والقيم التي جاءت بها. وفي المقابل، اعتبر غوستاف الرابع أدولف الإنجليز أصدقاء بفضل العلاقات التجارية الجيدة بين البلدين، كما عبّر لأكثر من مرة عن تخوّفه من بحريتهم وقوة سفنهم خاصة عقب معركة طرف الغار (Trafalgar) لعام 1805 التي انتهت بنصر ساحق للبحرية الملكية البريطانية على نظيرتها الفرنسية.
هزيمة السويد
وتحت غطاء إنهاء التجارة السويدية الإنجليزية وتطبيق الحصار القاري، اتجه ألكسندر الأول عام 1808 لإعلان الحرب على مملكة السويد. إلا أن هدفه الحقيقي من هذه العملية العسكرية لم يكن سوى فنلندا، حيث سعى القيصر الروسي للاستحواذ على هذه المناطق المطلة على العاصمة الروسية حينها سانت بطرسبرغ. فبسبب تواجدها على مقربة من بحر البلطيق، مثلت هذه المدينة الروسية فريسة سهلة للهجمات البحرية الأجنبية. وأملا في تأمين العاصمة، فضّل الروس الهيمنة على المناطق الشمالية المطلة على البلطيق.
خلال هذه الحرب الروسية السويدية، حصل السويديون على دعم إنجليزي سرعان ما فشلوا في استغلاله بسبب سوء التنسيق بين الطرفين. في الأثناء، تمكنت القوات الروسية من السيطرة على كامل أراضي فنلندا وأخضعت يوم 18 آذار/مارس 1809 مناطق جزر أولاند (Åland) قبل أن تتوقف على مقربة من العاصمة ستوكهولم. وأمام هذا الوضع، فضّل الملك الجديد للسويد كارل الثالث عشر (Charles XIII)، الذي استلم الحكم عقب الإطاحة بغوستاف الرابع أدولف، التفاوض مع الروس أملا في الحفاظ على عرشه.
دوقية فنلندا الكبرى
يوم 17 أيلول/سبتمبر 1809، وقع الروس والسويديون على اتفاقية سلام بمنطقة فريدريكسهامن جرّدت بموجبها مملكة السويد من أراضيها بفنلندا وجزر أولاند لتفقد بذلك ثلث مساحتها وربع سكانها، حوالي 800 ألف نسمة، لصالح الإمبراطورية الروسية.
وضمن الإمبراطورية الروسية، تمتّع الفنلنديون بجانب من الحرية والاستقلال حيث لقبت مناطقهم بدوقية فنلندا الكبرى فحافظت بذلك على انتمائها لروسيا لنحو قرن قبل أن تعلن استقلالها عنها عام 1917 عقب الثورة البلشفية.