مقالات وبحوث

ديفيد هيرست: تغيير النظام التركي سيكون وبالا على أنقرة والشرق الأوسط

سلط الكاتب البريطاني “ديفيد هيرست” الضوء على التداعيات المحتملة على تركيا والشرق الأوسط حال هزيمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات القادمة وابعاده عن المسرح السياسي الإقليمي.

وقال هيرست إنه بلا شك سيتم استقبال هزيمة أردوغان من برلين إلى واشنطن بفتح “زجاجات الشمبانيا” للاحتفال بتلك النتيجة التي طالما حلموا بها وكادت أن تتحقق لولا فشل محاولة الانقلاب على أردوغان في 16 يوليو 2016.

وأوضح هيرست أنه للإجابة على السؤال الذي طرحه حول إذا ما كان إبعاد أردوغان سيكون مفيدا لتركيا وللمنطقة، أجرى سلسلة من المقابلات مع مسؤولين في الحكومة التركية وشخصيات من المعارضة، كان بعضهم سفراء سابقين، لاستطلاع رأيهم.

وأوضح أنه للإجابة أيضا يجب الإشارة إلى سلسلة التصريحات التي أطلقها الرجل الذي سوف يحل محل أردوغان حال إبعاده وهو قليجدار أوغلو مرشح المعارضة التركية للرئاسة وزعيم حزب الشعب الجمهوري.

وفي تصريحاته التي تصدرت عناوين الصحف كرر قليجدار أوغلو وعده بأن يتمكن الأتراك من السفر بدون تأشيرة إلى أوروبا في غضون 3 أشهر حال فوزه بالانتخابات وتوليه منصب رئيس تركيا، كما هدد اليونان بتدخل عسكري، وأبدى حرصا على زيارة أمريكا والمملكة المتحدة وألمانيا.

وذكر هيرست إن الوعود التي أطلقها زعيم المعارضة التركية تحتاج إلى مؤهلات قوية، مشيرا إلى أن مسؤولا تركيا كبيرا في المعارضة اعترف أن وعد قليجدار أوغلو بشأن السفر بدون تأشيرة في غضون 3 أشهر كان “متفائلا للغاية”

وأضاف أنه حتى لو كانت الحكومة التركية الجديدة سوف تلبي جميع معايير الاتحاد الأوروبي، فهناك مسألة صغيرة تتعلق بقبرص.

من جانبه قال أونال سيفيكوز، السفير المتقاعد وكبير مستشاري الشؤون الخارجية لقليجدار أوغلو إن الحكومة الجديدة مصممة على تطبيع علاقاتها مع المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.

وقال سيفيكوز إن السياسة الخارجية الجديدة سوف تستند إلى “عدم تدخل الشؤون الداخلية للجيران، والسياسة الخارجية المحايدة، والالتزام بالمعايير الدولية”.

وانتقد استخدام أردوغان للقوة في ليبيا، ووعد بأن تكون تركيا “وسيطًا نزيهًا” في ليبيا من خلال التحدث إلى جميع الأطراف.

ولكن هذا وفقا وفقا لهيرست يمكن أن يندرج تحت ما يعتبره البعض بأن “القول أسهل من الفعل”.

وفيما يتعلق بسوريا، وعدت المعارضة بثلاثة أشياء دفعة واحدة: إعادة جميع اللاجئين السوريين البالغ عددهم 3.7 مليون شخص إلى الوطن، والتعامل مع الرئيس بشار الأسد، وتصحيح “سياسة الانحياز” في الحرب الأهلية.

وأضاف هيرست أنه سأل مسؤولًا في المعارضة، ماذا سيحدث لخصوم الأسد، الذين تحميهم القوات التركية في إدلب؟

أجاب بابتسامة: “هذا سؤال جيد”. واعترف بأن الأمر سيستغرق وقتًا طويلاً حتى تكسب الحكومة ثقة دمشق وتخرج نفسها من إدلب.

وقال المسؤول: “سيتعين علينا إعادة التواصل مع السكان المحليين في إدلب، وإعادتهم إلى المجتمع. ولكن لا يمكن أن تفعل تركيا ذلك وحدها.”

وقال هيرست، إنه حتى لو افترضنا أن تحالف المعارضة التركية سيبقي متماسكا في الحكومة الجديدة، فإن السياسة الوحيدة التي توحدهم هي الانسحاب بشكل عام من المنطقة، والتواصل مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.

وعقب أن تركيا تحتاج بلا شك الخبرات الغربية لتحويل الشركات الناشئة إلى شركات يمكنها الوقوف على قدميها، مشيرا إلى أن الشركات الناشئة في تركيا تواجه بالفعل صعوبة لأن مالكها يجب أن يفعل كل شيء من الضرائب إلى الجمارك وحتى التدفق النقدي.

وأضاف أن هذا يعني أن خريجي الجامعات الموهوبين يجدون صعوبة في تحويل أفكارهم إلى أعمال ناجحة، حيث يجدون القليل من المستثمرين المستعدين لدعمها، ويتم توجيه معظم الاستثمار إلى البناء، حيث تكون العائدات سريعة ومضمونة.

وذكر أن حوالي نصف صادرات تركيا تذهب إلى الاتحاد الأوروبي، لذلك فإن وجود علاقة أقل حدة مع أوروبا أمر منطقي تمامًا، لكن العضوية في الاتحاد الأوروبي بعيدة المنال.

وأضاف أن سبع دول أخرى على الأقل انضمت إلى قائمة الانتظار لعضوية الاتحاد الأوروبي منذ أن أصبحت تركيا مرشحة منذ أكثر من عقدين من الزمن، وشكك في أن يحرز زعيم المعارضة الحالي تقدمًا أسرع مما حاول أردوغان القيام به، في الأيام التي سبقت تخليه عن سياسته الليبرالية المؤيدة لأوروبا.

وأضاف هيرست أنه إذا تم وضع كل ذلك معا، ستكون الرغبة في إرضاء الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والناتو واضحة، لكن وسائل القيام بذلك أقل وضوحًا، دون التضحية بمصالح تركيا الحيوية.

وأضاف أن روسيا ستواصل بناء محطة أكويو للطاقة النووية في تركيا، بغض النظر عن الحكومة التي تتولى السلطة.

من ناحية أخرى، فإن طرد قطر من مصنع للدبابات كما تعهدت المعارضة، بعد أن مولت 49% منه، قد يخيف المستثمرين الأجانب الآخرين، الذين تحتاجهم تركيا بشدة.

وقال هيرست إن الشعور بتغيير النظام التركي الحالي -حال حدوثه- سيكون أشدة وطأة على الشرق الأوسط، مشيرا إلى أنه لا يعني بذلك فقط المنفيين المصريين والسوريين والفلسطينيين الذين استضافتهم تركيا، ولكن علاقة تركيا برؤساء الدول أنفسهم الذين كانوا يحاولون إبعاد أردوغان عن المسرح الدولي قبل سبع سنوات.

وأشار إلى أن السياسية الخارجية في الشرق الأوسط تبدأ وتتوقف مع قمة الهرم السياسي، فإذا كان لديك علاقة شخصية معه فستكون مسألة وقت فقط قبل استئناف العلاقات بعد أي موجة من الخلافات.

وأستشهد بتلقي تركيا الآن استثمارات بمليارات الدولارات من السعودية والإمارات، اللتين مولتا جزئيا محاولة الانقلاب على أردوغان، حسب قوله.

ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ محمد بن زايد، أدرك أن الأموال التي كان ينفقها على دعم الطغاة في شمال أفريقيا لم تكن تؤتي ثمارها ولهذا غير مساره، كما يرجع إلى أن تركيا اتخذت خيارات براغماتية، أحيانًا على حساب التخلي عن القضايا التي دافعت عنها، مثل تراجعها عن تقديم قتلة الصحفي السعودي جمال خاشقجي إلى العدالة.

وذكر أنه يتم التعامل مع تركيا كحليف تكتيكي في موسكو وفي الخليج على وجه التحديد، لأنها حاربت القوات الروسية في سوريا، واستخدمت طائراتها بدون طيار ضد قوات مجموعة فاجنر في ليبيا، وصدت الثورة المضادة التي تمولها الرياض وأبو ظبي.

وأوضح أن حقيقة أن تركيا تُعامل الآن كلاعب في المنطقة لديه قوات لنشرها لحماية حلفائه، أمر مهم، مضيفا أن توقيت إبعاد أردوغان قد يكون مثيرا للقلق أيضا بالنظر إلى أن تركيا قد تكون على وشك التنازل عن ركائز استقلالها في الوقت الذي تستعد فيه الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لمواجهة عسكرية كاملة مع الصين.

هذا الخطر لا يغيب عن حلفاء الولايات المتحدة في الخليج، الذين يسعون لتنويع تجارتهم واعتمادهم على الدولار.

نسبت الصين الفضل لنفسها في ذوبان الجليد بين المملكة العربية السعودية وإيران، وهي تعرض الآن الوساطة بين الفلسطينيين وإسرائيل. في هذه البيئة بالذات، من الضروري أن يكون للشرق الأوسط دول قوية مستعدة لممارسة استقلالها، هذا ما حققه أردوغان رغم كل أخطائه التي لا شك فيها، لذا فإن فقدانها الآن سيكون كارثة ليس فقط لتركيا، ولكن للمنطقة.

المصدر : ديفيد هيرست : ميدل إيست آي

مقالات ذات صلة

إغلاق